الحديث الرمضاني(8) 25-3-2024 اشكالية علم الغيب
الغيب: كلّ ما غاب عنك، في مقابل الشهادة التي تعني الحضور ، قال تعالى: ﴿عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾.
هناك اشكالية تتعلق بعلم الغيب حيث وردت عدّة آيات قرآنيّة تحصر علم الغيب بالله تعالى، من قبيل قوله تعالى:
1- ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ﴾
2- ﴿فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ﴾
3- ﴿ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾.
وقد اكد نبينا الأعظم محمد)ع( عدم علمه بالغيب حيث قال تعالى عن لسانه: (وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) فالنبي ينفي ان يكون يعلم الغيب لان علم الغيب منحصر بالله، لكن في مقابل هذه الآيات وردت آيات أخرى تفيد أنّ بعض عباد الله يطلعهم الله سبحانه على الغيب، منها قوله تعالى:﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ ﴾.
فالله تعالى يظهر غيبه على من ارتضى من رسول، وبالتالي، فكيف نجمع بين هذه الآية وما قبلها مع الآيات السابقة التي تحصر علم الغيب بالله تعالى؟.
والجواب: انّ علم الغيب محصور بالله تعالى استقلالاً،بمعنى ان الله وحده يعلم الغيب بنفسه وبشكل ذاتي واستقلالي من غي ان يعلمه احد، وأنه محيط بالغيب كلِّ الغيب، لا يغيب عنه مثقال ذرة في السماوات والأرض ، فلا أحد غير الله يمكنه أن يعلم الغيب ذاتا وبشكل مستقل من دون اكتساب وتعلم من الله تعالى، وهذا هو تفسير الآيات الثلاث الحاصرة لعلم الغيب بالله عزّ وجلّ، إلاّ أنّ هذا لا يمنع أن يتفضّل الله تعالى على بعض عباده بإطلاعه على بعضٍ مِن علم الغيب، فيكون علمه بالغيب اكتسابيا بتعليم من الله لا بالاستقلال.
ولهذا نظير في القرآن الكريم، فهو ينسب توفّي الأنفس إلى الله تعالى بقوله: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَ﴾، بينما نلاحظ أنّه عزّ وجلّ ينسب التوفِّي في بعض الآيات الأخرى إلى غيره، بقوله تعالى: ﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ﴾، ويقول تعالى: ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ﴾.
والجمع بين هذه الآيات هو أنّ التوفيّ بالاستقلال وبالذات هو لله تعالى، وهذا لا يتنافى مع مع ان يمنح الله بالعرض القدرة على التوفي لغيره كملك الموت او غيره من الملائكة.
وكذلك الحال في قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾، وقوله عزّ وجلّ: ﴿أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ﴾ ، فالخلق هو لله بالذات والاستقلال،هو الذي يخلق ويوجد من العدم ومن اي مادة سابقة، لكن هذا لا يتنافى مع ان ياذن الله لغيره كالنبي عيسى( ع)ان يخلق بقدرة الله وباذن الله من الطين طيرا .
فالخلق من الله هو بالاستقلال والذات ومن العبد بالعرض وباذن الله وقدرة الله وليس بالذات والاستقلال .
اذن الانسان يمكن ان يعلم الغيب بتعليم من الله حيث يمكن ان يظهر غيبه على من ارتضى من رسول، فلماذا ينفي النبي(ص) وهوافضل الرسل علمه بالغيب ويقول: (ولو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير).
والجواب: ان النبي ينفي ان يكون يعلم الغيب بشكل مستقل عن الله سبحانه ولذلك استعمل ضمير المتكلم (وَلَوْ كُنتُ)و ﴿ أَعْلَمُ ﴾ ﴿لاَسْتَكْثَرْتُ﴾ فكأنّه يقول: "أنا بنفسي مستقلاً عن الله لا أعلم الغيب".
والخلاصة: أن الإنسان، حتى ولو كان نبيا او وصيا فإنّه لا يعلم الغيب بذاته ونفسه وبشكل مستقل عن الله، لأنّ الغيب انما هو بيد الله ومنحصر به، ولكنه يطلعه ويظهره على من ارتضى من رسول وعلى من يشاء من عباده فغير الله يمكن ان يعلم الغيب باطلاع واخبار من الله وبتعليم واكتساب واذن من الله وليس بالاستقلال .
وقد اطلع الله بعض أنبياءه على الغيب كما سياتي لاحقا انشالله.