الحديث الرمضاني 1445 هـ

الحديث الرمضاني(3) 14-3-2024 شبهة التناسب بين الذنب والعقوبة

الحديث الرمضاني(3) 14-3-2024 شبهة التناسب بين الذنب والعقوبة

هناك اشكالية حول الجزاء الاخروي يمكن ان تطرح وهي ان بعض العقوبات الاخروية قاسية وغير متناسبة مع الذنب، فلماذا يعاقب االله سبحانه الناس بهذا الحجم من القسوة ؟ ولماذا لا يكون هناك تناسب بين الذنب والعقوبة؟

مثلًا إذا قلنا: إنَّ رجلًا عاش في هذه الدنيا مائة سنةً، وارتكب خلالها الحرام وارتكب كلَّ ما يُوجبُ له الخلود في النار، فهنا يمكن ان نقول انه قد يستحق مائة سنة من العذاب فلماذا يخلد في النار الى الأبد؟ فهل تُقابلُ مائة عامٍ من الجرائم بالخلود في العذاب؟! وكذلك قد يرتكب الانسان الذنب كالقتل مثلاً في لحظة واحدة، ويحـرم المقتول من عشر سنوات من حياته التي كانـت مكتوبـة لـه .. فلمـاذا يكون جزاؤه جهنم خالداً فيها؟! فأين التناسبُ بين الفعل والجزاء؟! الا يتنافى ذلك مع العدل الالهي؟

الجواب:
اولا: العقوبة للمذنب هي مقتضى العدل الإلهي.. والعقوبـة رحمـة للبشر، لأنها تردع الذنبين والمجرمين وأصحاب الشهوات والأهواء من ارتكاب المحرمات والجرائم، وتمنعهم من تـدمير حيـاة النـاس ، وفي المقابل تشفي صدور المؤمنين المظلـومين والمضـطهدين.. تصوروا لو ان المجرمين الصهاينة الذين يرتكبون الجرائم والمجازر بحق الشعب الفلسطيني في غزة فلتوا من العقاب في الاخرة ! من الذي ياخذ بحق الاطفال والنساء المظلومين ؟ من دون انزال العقاب بهؤلاء المجرمين فإن حق هؤلاء المظلومين سـوف يضيع، وحاشا الله سبحانه أن يضيع حق أحد، وعدم العقاب هنا يتنافى مع العدل الالهي .

ثانيا: انَّ العقوبة الأُخرويَّة هي من قبيل الأثر الوضعي والتكوينيِّ للعمل، ومن الواضح أنَّ الآثار التكوينيَّة تفوقُ بطبعِها في الغالب حجم الفعل المسبِّب لوجودِها.
مثلا لو رمى شخص بنفسه من سطح بناية ، فإنَّ هذا الفعل لا يستغرقُ من الوقت أكثرَ من دقيقة ولا يكلِّف صاحبه الا جهدا يسيرًا ولكنَّ أثر هذا الفعل هو الموت، واذا بقي على قيد الحياة فانه يبقى مهشما ويبتلي بعاهات وتشوهات تُلازمه إلى آخرِ عمرِه.

الإنسانُ الذي يشعل النار بنفسه يفعل ذلك في لحظات لكن اثر ذلك عليه هو الموت وان بقي حيا بقي مشوها في جسده طوال حياته.

هناك بعض الادوية اذا تناولها الانسان قد تؤدي الى زوالَ عقلِه إلى الأبد، أو يكونُ مفعولُها الابتلاءَ بالعُقم الدائم، او مرهم قد يكحلُ عينه به فيُبتلى بالعمى إلى أنْ يموت.

لو نظرنا إلى حجم الفعل من زاويةِ الوقت الذي استغرقَه والجهدِ الذي بُذل في تحصيلِه لوجدناه غير متناسبٍ مع الأثرِ الخطيرِ والطويلِ الذي ترتب عليه ونشأ عنه.

الجزاء الأخروي المترتِّبِ عن فعل المعاصي هو من قبيل الأثر التكوينيِّ للفعل وله ارتباط واقعي بطبيعة الجريمة فهو مثل الذي تناول سمًّا أو رمى بنفسه في النار فإنَّ أثر ما فعله يتحقَّق واقعا وبشكل تلقائي ومباشر، فالذي يقتل شخصا بغير حق يدخل النار ودخول النار هو الأثر التكويني والواقعي لنفس هذا الفعل ولا يمكن ان يتخلف هذا الاثر عن نفس الفعل تماما كما لا يتخلف الموت او التشوه عمن يلقي نفسه من فوق السطح فيقع على الارض، وكذلك مثلا عندما نقول بان من يأكل اموال اليتامى او حقوق الناس واموالهم كأنما يأكل نارا في بطنه فهو في الاخرة في الحقيقة ياكل النار ويتجسد هذا الذنب في الاخرة نارا في بطن الانسان ، فالنار اثر تكويني لفعل اكل مال اليتيم.

الجزاءالاخروي ليس من نوع الجزاءات والعقوبات الاعتباريَّة التي يُقرِّرها المتشرعون القانونيون للمخالفات والجنايات.

فالجزاءات والعقوبات القانونيَّة ليس لها ربطٌ واقعيٌّ وتكوينيٌّ بطبيعة الجريمة المُقترَفَةِ بل هي عقوباتٌ يتفاهم عليها المشرِّعون فيتوافقون مثلًا على أنَّ مَن اعتدى على املاك الغير او على شخص بالضرب والايذاء، فإنَّ جزاءه أنْ يُسجنَ شهرًا ، وكذلك هو الشأن في العقوبات الدنيويَّة التي يضعها المشرِّع في الأديان الإلهيَّة فإنَّ هذه العقوبات اعتباريَّة، فالمشرِّعُ يعتبرُ أنَّ جزاءَ هذه الجريمة هو من هذا النوع.

التناسب بين الذنب والعقوبة انما يلاحظ في هذا النوع من الجزاء والعقوبات اي الجزاء الاعتباري الموجود في القانون الوضعي او في القانون الاسلامي في باب التعزيرات فحين لا يكونُ بين الجريمة والجزاء الاعتباري تناسبٌ فإنَّ ذلك يُعدُّ من الظلم لدى العقلاء.فلا يعقل ومن الظلم مثلا: ان نعاقب من تجاوز اشارة المرور الحمراء بالسجن المؤبد او الذي اعتدى بالضرب على شخص والحق به جرحا بسيطا بسجن مؤبد ! هنا لا بد من وجود تناسب بين الذنب والعقوبة وبين الجريمة والجزاء.

أمَّا العقوبة والجزاء في الاخرة فهو يترتب بشكل تكويني على الذنب ولا يتخلف الجزاء الأخرويَّ عن الذنب اطلاقا لان الجزاءهو من قبيل الآثار التكوينيَّة التي تترتب على الجرائم والذنوب. تماما مثل ترتب الموت الحتمي على شرب السم .

فحين يُقال مثلًا إنَّ جزاء القاتل للنفس المحترمة عمدًا هو النار في الآخرة أو هو الخلود في النار فجريمة القتل تقتضي بطبعها الخلود في النار، فالخلودُ في النار هو أثرٌ تكويني لجريمة القتل، تماما كما أنَّ شرب هذا الدواء مثلا يؤدي الىالتسمم او الى حدوث عاهةٍ دائمة فأنَّ هذه العاهة أثرٌ تكويني لشرب هذا السائل فكذلك هي جريمة القتل موجبةٌ للخلود في النار وأنَّ الخلود في النار أثرٌ تكويني لهذه الجريمة .

وهذا ما تدل عليه بعض الآيات التي أفادت أنَّ الإنسان يجد يوم القيامة ذات العمل الذي كان قد عمله باختياره، فإنْ كان خيرًا فالنعيم وان كان شرًّا فالجحيم.

يقول تعالى: ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدً﴾ يعني العمل نفسه يحضر بصورته الاخروية فاذا كان عملا صالحا فانه يتجسد خيرا ونعيما وان كان شرا او ذنبا فانه يتجسد نارا وجحيما.

ويقول تعالى في اية اخرى: ﴿ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ، وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ،عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ ) فذاتُ العمل الذي اقترفه في الدنيا يكون حاضرًا في الآخرة، فالإنسانُ يحصد نتيجة عملِه.

وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرً﴾.

فأكلُ النار والاِصطلاء بالسعير هو الأثر التكوينيُّ لأكل أموال اليتامى، فالصورةُ الحقيقيَّة لهذا الفعل والأثرُ الواقعي لهذا الفعل هو الأكل للنار والاِصطلاء بالسعير غايتُه أنَّ الإنسان لا يُدرك هذه العلاقة وهذه الحقيقة لأنَّها من شؤون العالم الآخر الذي لم نُعايشه بعد وانما اخبرنا الله عنه.

واذا كان الامر كذلك فلا معنى حينئذ للقول: بانه ليس هناك من تناسب بين الذنب والعقوبة او بين الجريمة والجزاء، لان العقوبة هي اثر واقعي وتكويني مباشر يترتب تلقائيا على الذنب، ولذلك لا يستطيع مثلا من يشرب السم بلحظات ان يعترض ويقول لماذا ترتب الموت على شرب السم لان الموت هو الاثر التكويني لهذا الفعل وهكذا.

ومع كل ذلك فان الانسان يمكنه ان يرفع العذاب عن نفسه بالتوبة، لان ما يرفع العذاب عن المؤمن ويعطل كل هذه الاثار بقدرة الله القادر على كل شيء، هو التوبة والانابة والرجوع الى الله والاستغفار والندم والحسرة وفتح صفحة جديدة مع الله وارجاع الحق لاصحابه وقضاء ما فاته من الواجبات والمسامحة أحياناً من صاحب الحق.. وشهر رمضان هو اشرف فرصة للتوبة والانابة والتسامح والقيام بالواجبات حيث ابواب التوبة والمغفرة مفتحة في هذا الشهر الشريف .

الشيخ دعموش في خطبة الجمعة 6-9-2024: مشروع نتنياهو وحلفائه في الحكومة هو تحويل كامل فلسطين الى دولة يهودية وطرد اهلها، ولذلك سيواصل حربه على غزة والضفة لتنفيذ هذا المشروع ولا يبدو انه يريد التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار،

مواقيت الصلاة

الفجر

5:02

الشروق

6:16

الضهر

12:35

العصر

16:09

المغرب

19:12

العشاء

20:04

المواقيت بحسب توقيت مدينة بيروت