خطبة الجمعة 31-3-2023 - الدعاء وموانع الإستجابة
الشيخ دعموش خلال خطبة الجمعة 31-3-2023: من يرفض الخيارات المطروحة للحل هو من يتحمّل مسؤولية التدهور.
أكد نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش: أن المناخات الايجابية بين دول المنطقة والاتجاه نحو الاستقرار والتعاون فيما بينها يجب أن يكون حافزًا لبعض القوى السياسية في لبنان لاعادة النظر في خياراتها والاستفادة من هذه الأجواء لمصلحة الحل في لبنان.
وقال سماحته في خطبة الجمعة إن "مسؤولية الحلّ تقع على اللبنانيين وليس على أيّة جهة أخرى، وعليهم جميعًا تقع مسؤولية إنقاذ البلد والخروج من حالة المراوحة التي لا تنج سوى المزيد من التدهور والتأزم"، وأضاف "اليوم لا يزال البعض يتجاهل كل الدعوات الى الحوار والتوافق الداخلي ويراهن على الخارج ليأتي له بالحل، في الوقت الذي يعرف الجميع ان بعض الخارج هو الذي يمنع الحل وهو شريك في الانهيار الذي وصل اليه البلد ولا يمكن الرهان عليه لمعالجة مشاكلنا".
ورأى أن "انتظار الحل من الخارج مضيعة للوقت والحل هو بيد اللبنانيين، فهم وحدهم من يحسم انجاز الاستحقاق الرئاسي ومن يكون رئيسا للجمهورية ولا يمكن لاي جهة خارجية ان تقرر بالنيابة عنهم وتفرض عليهم رئيسا للجمهورية".
وتابع "هناك اليوم من يتباكى على التدهور الحاصل في لبنان ويحزن للحالة التي وصل اليها البلد ولكنه بدل ان يعمل على تقريب وجهات النظر وفتح أبواب النقاش بهدف الوصول لحلول معقولة يمعن في رفض الحوار والتوافق ويعطل انتخاب الرئيس، ويتنصل من المسؤولية ويرمي بها على الآخرين".
وختم "من يرفض الخيارات المطروحة للحل ويُقفل أبواب النقاش حولها هو من يتحمّل مسؤولية التدهور واستمرار معاناة اللبنانيين ولا يمكنه أن يبرّىء نفسه من المسؤولية".
نص الخطبة
يقول الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ )المؤمن/60.
شهررمضان هو شهرالدعاء والتضرع الى الله، الشهر الذي تفتح فيه ابواب السماء فيكون دعاؤكم فيه مستجاب، وفي شهر رمضان في لياليه وايامه ادعية عظيمة هي مرسة روحية واخلاقية وتربوية، كدعاء الافتتاح وكأدعية الأسحار ودعاء أبي حمزة الثمالي ودعاء الجوشن وغيرها.
الآية تتحدث عن الدعاء والاستجابة وعن الموقف من اؤلئك الذين يعرضون عن هذه العبادة.
وما نستفيده من هذه الآية عدة أمور:
الأول : ان الله يحب الدعاء ويريده ويأمر به،في كل الاوقات وليس في شهر رمضان فقط (وقال ربكم ادعوني ).
الثاني : ان الله وعد عباده باجابة الدعاء ( استجب لكم ) لكن هذا الوعد بالإجابة مشروط بشروط معينة وليس مطلقاً وسنذكر هذه الشروط في السياق ان شاء الله.
الثالث : ان الدعاء في نفسه نوع من العبادة ،لان الآية اطلقت في نهايتها صفة العبادة على الدعاء ( إن الذين يستكبرون عن عبادتي ) فجعل كلمة عبادتي بدل كلمة دعائي مما يعني ان ان الدعاء هو الدعاء كسائر العبادات.
الرابع : توجه الآية في نهايتها تهديداً صريحاً وقوياً لاولئك الذين يستكبرون فيعرضون عن الدعاء نتيجة شعورهم بالغرور وبإمكانية الاستغناء عن الله ، وتعتبر أن الاعراض عن الدعاء يعني الاعراض عن الله وعن عبادة الله وتقول : (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ).
اذن قوله تعالى في هذه الآية ( وقال ربكم ادعوني استجب لكم ) وقوله تعالى: ( وأذا سألك عبادي عني فإني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان ) هاتان الآيتان تدلان بشكل صريح على ان ثمة وعداً الهياً باستجابة الدعاء واجابة الداعين الى ما سألوه وما طلبوه من الله عز وجل.
وهنا قد يتسأل الكثيرون من الناس وهم يقرأون هاتين الآيتين فيقولون : ما لنا ندعو الله ولا نرى الاجابة ؟ فنحن ندعو الله كثيراً ونلجأ اليه في طلب حاجاتنا وحل مشكلاتنا وازماتنا، فلماذا لا يستجيب لنا؟ فهل ان الله يخلف وعده؟؟
والجواب :ان عدم استجابة الدعاء في بعض الحالات يعود الى اننا نرتكب بعض الاعمال التي تحجب دعائنا عن الوصول الى الله ، واذا لم يصل الدعاء الى الله فبالتأكيد سوف لن تتحقق الاجابة ، اضافة الى ان وعد الله باستجابة الدعاء هو وعد مشروط لا مطلق ، فهو مشروط بتنفيذ بعض المواثيق والتكاليف الالهية، فان قمنا بتنفيذ تلك التكاليف ،فلنا ان نتوقع من الله ان يستجيب دعائنا وإلا فلا ننتظر الإجابة .
ونحن هنا نذكر اهم العوامل والاسباب التي تمنع الاجابة ثم نشير الى اهم شروط استجابة الدعاء كما ذكرتها الروايات الاسلامية.
ان اهم العوائق والعقبات التي تحبس الدعاء عن الصعود الى الله هي الذنوب والمعاصي ، فكلنا نقرأ في دعاء كميل : ( اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء ) ونقرأ فيه ( فاسألك بعزتك ان لا يحجب عنك دعائي سوء عملي وفعالي ).
فالذنوب وسوء الاعمال ،تحجب الدعاء وتمنع الاجابة.
وتوضيح ذلك : أن للذنوب في حياة الإنسان دورين :
الدور الأول : انها تحجب الإنسان عن الله وتقطعه ،فلا يتمكن الإنسان من الإقبال على الله والتوجه اليه.
والدور الثاني : ان الذنوب تحجب الدعاء وتمنعه من الصعود الى الله ، لان الدعاء لو صعد الى الله فانها سوف تتم الاجابة من عند الله ، لانه ليس في ساحة الله تعالى عجز او بخل اذا وصل الإنسان اليه، لكن الذنوب تسبب عجزاً في الدعاء بحيث يمنعه عن الصعود الى الله والوصول اليه.
اذن الذنوب قد تمنع الانسان من أصل الدعاء ،وقد تمنع الدعاء وتحبسه من الصعود الى الله ،واذا لم يصعد الدعاء الى اليه فبالتأكيد لن تتم الأجابة ، فالله لا يستجيب دعاء المذنب والعاصي لان دعائه عاجز عن الوصول اليه.
وقد ذكرت بعض الروايات ذنوباً اذا فعلها الإنسان فانها تحول بينه وبين اجابة دعائه مثل سوء النية ،النفاق ،تأخير الصلاة عن وقتها ، التلفظ بالكلام السيء والبذيء الذي يخشاه الناس ،عقوق الوالدين ،الطعام الحرام ،ترك الصدقة وترك الانفاق في سبيل الله ،فان هذه الذنوب وغيرها تمنع من الإجابة ،اذ كيف يستجيب الله دعاءَ وطلبَ مَنْ يتمرد عليه ويستغرق في معصيته ويرتكب مثل هذه الذنوب التي تسخطه.
ومن هنا فإن اهم الشروط التي تذكرها الروايات لاستجابة الدعاء هي :
اولاً :اجتناب المحرمات والذنوب والتوبة عنها ،وان يسعى الداعي دوماً الى تطهير قلبه وعقله وروحه ونفسه وحياته من كل ما يكرهه الله سبحانه.
فقد ورد عن الباقر (ع) انه قال : ان العبد يسأل الله الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها الى اجل قريب فيذنب العبد ذنباً ،فيقول الله تبارك وتعالى للملك : لا تقضي حاجته واحرمه إياها ،فانه تعرض لسخطي واستوجب الحرمان مني.
وثانياً :ان يسعى الداعي الى تطهير امواله من الحرام من المال المغصوب او المال الذي حصل عليه الملتوية بظلم بسلب حق ليس له بسرقة.. وان لا يكون طعامه من حرام، فعن رسول الله (ص) انه قال : مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُسْتَجَابَ دُعاؤُهُ فَلْيَطِبْ مَطْعَمَهُ وَمَكْسَبَهُ.
وثالثاً: ان لا يفترق الدعاء عن الجهاد المستمر ضد كل اشكال الفساد عن طريق الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لان الله لا يستجيب دعاء من يترك وظيفة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعن النبي (ص) : لتأمرون بالمعروف ولتنهن عن المنكر او ليسلطن شراركم على خياركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم .
ورابعا: ان يكون الدعاء ضمن السنن الطبيعية ،وان يكون الداعي مخلصاً وموقنا ً بالاجابة فان عدم استجابة الدعاء يرجع اما الى ان الانسان يطلب من الله ما يتنافى مع سنن الطبيعة ، كأن يطلب الرزق من غير ان يسعى نحوه ويطلب العلم من غير ان يتعلم ،ويطلب الهداية الى طريق الحق من دون ان يجاهد نفسه، يطلب ان يحل له المشكلات من دون ان يعمل بشكل جاد على حلها، واما لانه يدعو الله بما فيه ضرر ديني او دنيوي عليه وهو جاهل به بحيث لو عرفه لما دعا به ، او انه يدعو بغير اخلاص ولا يقين بالاجابة .فعن امير المؤمنين (ع): (الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر).
وعن الإمام الصادق (ع) انه سئل: مالنا ندعو ولا يستجاب لنا ؟ فقال : لانكم تدعون من لا تعرفون وتسألون ما لا تفهمون.
خامساً:ان يعمل الداعي بالمواثيق الالهية ويفي بعهده مع الله ، فالايمان والعمل الصالح والامانة والصلاح والاستقامة في الحياة من شروط استجابة الدعاء فمن لم يف بعهده امام الله لا ينبغي ان يتوقع من الله استجابة دعائه.
فقد جاء رجل الى امير المؤمنين (ع) وشكا له عدم استجابة دعائه فقال له الإمام : «إِنَّ قُلُوبَكُمْ خَانَتْ بِثَمَانِ خِصَال:
أَوَّلُهَا: إِنَّكُمْ عَرَفْتُمُ اللهَ فَلَمْ تُؤَدُّوا حَقَّهُ كَمَا أَوْجَبَ عَلَيْكُمْ، فَمَا أَغْنَتْ عَنْكُمْ مَعْرِفَتُكُمْ شَيئاً.
وَالثَانِيَةُ: إِنَّكُمْ آمَنْتُمْ بِرَسُولِهِ ثُمَّ خَالَفْتُمْ سُنَّتَهُ، وَأَمَتُّمْ شَرِيعَتَهُ فَأَيْنَ ثَمَرَةُ إِيَمانِكُمْ؟!
وَالثَّالِثَةُ: إِنَّكُمْ قَرَأْتُمْ كِتَابَهُ الْمُنْزَلَ عَلَيْكُمْ فَلَمْ تَعْمَلُوا بِهِ، وَقُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ثُمَّ خَالَفْتُمْ!
وَالرَّابِعَةُ: إنَّكُم قُلتُم تَخَافُونَ مِنَ النَّارِ، وَأنْتُم فِي كُلِّ وَقت تَقدُمُونَ إلَيها بِمَعاصِيكُم فَأينَ خَوفُكُم؟!
وَالْخَامِسَةُ: إِنَّكُمْ قُلْتُمْ تَرْغَبُونَ في الْجَنَّةِ، وأَنْتُمْ في كُلِّ وَقْت تَفْعَلُونَ مَا يُبَاعِدُكُمْ مِنْها فَأَيْنَ رَغْبَتُكُمْ فِيهَا؟
وَالسَّادِسَةُ: إِنَّكُمْ أَكَلْتُمْ نِعْمَةَ الْمَوْلى فَلَمْ تَشْكُرُوا عَلَيْهَا!
وَالسَّابِعَةُ: إِنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِعَداوَةِ الشَّيْطَانِ، وَقَالَ: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُواً)، فَعَادَيْتُمُوهُ بِلاَ قَوْل، وَوَاليَمُوهُ بِلاَ مخَالَفَة.
وَالثَّامِنَةُ: إِنَّكُمْ جَعَلْتُمْ عُيُوبَ النَّاسِ نَصْبَ أَعْيُنِكُمْ وَعُيْوبَكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ تَلُومُونَ مَنْ أَنْتُمْ أَحَقُّ بِالْلَوْمِ مِنْهُ فَأَيُّ دُعَاء يُسْتَجَابُ لَكُمْ مَعَ هَذا، وَقَدْ سَدَدْتُمْ أَبْوَابَهُ وَطُرُقَهُ؟ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا أَعْمَالَكُمْ وَأَخْلِصُوا سَرَائِرَكُمْ وَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَن الْمُنْكَرِ فَيَسْتَجِيبُ اللهُ لَكُمْ دُعَاءَكُمْ».
اليوم نحن بحاجة اضافة الى العمل والسعي الجاد الى الدعاء والتضرع الى الله ليساعدنا على مواجهة هذه المرحلة القاسية التي يمر بها لبنان، وليلهم اللبنانين العمل لمصلحة بلدهم وتقديم مصلحته على المصالح الخاصة .
اليوم المناخات الايجابية بين دول المنطقة والاتجاه نحو الاستقرار والتعاون فيما بينها يجب ان يكون حافزا لبعض القوى السياسية في لبنان لاعادة النظر في خياراتها والاستفادة من هذه الاجواء لمصلحة الحل في لبنان.
ومسؤولية الحل تقع على اللبنانيين وليس على اي جهة اخرى، وعليهم جميعا تقع مسؤولية انقاذ البلد والخروج من حالة المراوحة التي لا تنج سوى المزيد من التدهور والتأزم .
اليوم لا يزال البعض يتجاهل كل الدعوات الى الحوار والتوافق الداخلي ويراهن على الخارج ليأتي له بالحل، في الوقت الذي يعرف الجميع ان بعض الخارج هو الذي يمنع الحل وهو شريك في الانهيار الذي وصل اليه البلد ولا يمكن الرهان عليه لمعالجة مشاكلنا.
ولذلك انتظار الحل من الخارج مضيعة للوقت والحل هو بيد اللبنانيين، فهم وحدهم من يحسم انجاز الاستحقاق الرئاسي ومن يكون رئيسا للجمهورية ولا يمكن لاي جهة خارجية ان تقرر بالنيابة عنهم وتفرض عليهم رئيسا للجمهورية .
هناك اليوم من يتباكى على التدهور الحاصل في لبنان ويحزن للحالة التي وصل اليها البلد ولكنه بدل ان يعمل على تقريب وجهات النظر وفتح ابواب النقاش بهدف الوصول لحلول معقولة يمعن في رفض الحوار والتوافق ويعطل انتخاب الرئيس، ويتنصل من المسؤولية ويرمي بها على الاخرين.
من يرفض الخيارات المطروحة للحل ويقفل ابواب النقاش حولها هو من يتحمل مسؤولية التدهور واستمرار معاناة اللبنانيين ولا يمكنه ان يبرىء نفسه من المسؤولية.