خطبة الجمعة 29-12-2023: أم البنين وعطاءات الشهادة
الشيخ دعموش: المقاومة في لبنان أوقعت العدو في حرب استنزاف يومية حقيقية.
شدّد نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش على أنّ المأزق الإسرائيلي اليوم مُمتدّ من جبهة غزة إلى جبهة لبنان؛ لأنّ المقاومة في لبنان أوقعت العدو في حرب استنزاف يومية حقيقية، وهجّرت المستوطنين على طول الحدود مع فلسطين المحتلة، وعمّقت المأزق الداخلي، مُؤكّدًا أنّ قرار المقاومة هو أن نبقى في الميدان، وأن نواصل العمليات مهما كانت الضغوط والتهديدات والتضحيات، ولن نتراجع ما لم يتراجع العدو عن عدوانه على غزة.
وخلال خطبة الجمعة، رأى الشيخ دعموش أنّ تكامل عمل فصائل المقاومة، في غزة ولبنان والعراق واليمن، بات يُشكّل ضغطًا كبيرًا على العدو الصهيوني وعلى كل من يدعمه في حربه وعدوانه، وهذا الدور سيتواصل ويستمر ولن يتراجع أو يضعف، لأنّه هو الطريق الوحيد الذي نفرض فيه على العدو إيقاف الحرب على غزة.
ولفت إلى أنّه بالرغم من مرور أكثر من ثمانين يومًا على هذا العدوان ما يزال العدو الصهيوني عاجزًا عن تقديم إنجازات عسكرية ملموسة أو تحقيق مكاسب سياسية تُطمئن مستوطنيه، وما تزال المبادرة بيد المقاومة في غزة ولبنان التي تُكبّد العدو يوميًا خسائر كبيرة في الآليات والجنود إلى الحدّ الذي دفع قادته إلى الاعتراف بأنّ الحرب في غزة تُكلّفهم ثمنًا باهظًا، وأنّ الجبهة الشمالية تزيدهم إرباكًا وقلقًا.
ورأى الشيخ دعموش أنّ هذا سيكون له تأثير على الوضع الداخلي الإسرائيلي وعلى مسار الحرب، لأنّ استمرار العدوان لن تكون نتيجته سوى المزيد من الفشل والخسائر وتعميق مأزق العدو.
نص الخطبة
في هذه الايام تحتشد مناسبات عديد، ميلاد السيد المسيح نبي الله عيسى بن مريم(ع)، ورأس السنة الميلادية الجديدة، وشهادة القائد الكبير شهيد القدس الشهيد قاسم سليماني، ووفاة زوجة امير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع) والدة الشهداء وام الشهداء المعروفة بأم البنين.
في الثالث عشر من شهر جمادى الثاني كانت وفاة أم البنين التي جسدت أرقى أشكال العطاء والتضحية والصبر والثبات عندما قدمت اولادها الاربعة شهداء في معركة الدفاع عن اسلام محمد بن عبد الله(ص) في كربلاء .
أم البنين هي فاطمة بنت حزام الكلابيّة ، تنحدر من بيت عريق في العروبة و الشجاعة والشهامة، قال عنها عقيل بن أبي طالب : ليس في العرب أشجع من آبائها و لا أفرس.
تزوَّجها الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ، بعد وفاة زوجته فاطمة الزهراء(ع) بإشارة من أخيه عقيل بن أبي طالب لكونه عالماً بأخبار العرب وأنسابهم، حيث كان قد طلب منه الإمام (ع) أن يختار له امرأةً قد ولدتها الفحولة من العرب ليتزوّجها، فتلد له غلاماً فارساً، فاختار له فاطمة بنت حزام، التي سميت فيما بعد بأم البنين، لأن لها من الأبناء أربعة بنين(ذكور). حيث ولدت لعلي(ع) اربعة ابناء فوارس هم : العباس وجعفر وعبد الله وعثمان، وكلهم استشهدوا مع الحسين (ع) في كربلاء ، ولم يتركوا ذرية لهم غير العباس فقد ترك ولدا يقال له عبيدالله.
وأم البنين ( عليها السلام ) من النساءِ الفاضلاتِ الطاهرات العفيفات الصالحات العارفات بحق أهل البيت (ع)، المواليات الحقيقيات، وكانت فصيحة ، بليغةً ، ورعة ، تقية، عابدة، وزاهدة بالدنيا وما فيها .
وقد تميزت هذه المرأة الطاهرة بخصائصها الأخلاقية، وكانت رمزا للولاء والوفاء والتضحية.
لقد تجلى ولاؤها ووفاؤها لأهل البيت في العديد من المواقف :
اولاً: تجلى في وفائها لزوجها امير المؤمنين علي (ع)، حيث عاشت معه (ع) في صفاءٍ وإخلاص ، وأبت ان تتزوج بعد شهادته وفاءاً له، على الرّغم من تقدم البعض لخطبتها.
ثانيا: تجلى وفاؤها في رعايتها للحسن والحسين(ع) في بيت امير المؤمنين(ع) وتقديمهما حتى على أولادها، فعادة يقال: أن زوجة الأب أي الخالة لا تملك عاطفة وحناناً تجاه أبناء زوجها، وأحيانا قد تكون ظالمة لهم..! إلا أن أم البنين (عليها السلام) فتحت قلبها الطاهر للإمامين الحسن والحسين(عليهما السلام)، وأحاطتهما بعنايتها وعطفها وحنانها واهتمامها وكانت تحسن اليهما كما تحسن الأم لأولادها، إنها إمرأة استثنائية.. إمرأة مؤمنة، عارفة، إيمانها راسخ بولاية أمير المؤمنين (ع) وبولاية الحسن والحسين(ع)، لذلك كانت تقوم برعايتهم وخدمتهم بأفضل ما يكون إنطلاقا من محبتها لرسول الله (ص) ورجاء شفاعة أمهما السيدة فاطمة الزهراء، سلام الله عليها.
لم يعرف التاريخ امرأة بعد الزهراء وزينب(ع) كأم البنين (عليها السلام) في كرم أخلاقها، وطيب منبتها، وعفتها وحياءها وإيمانها بمبادئ الرسالة، كانت تهتم بالحسنين(عليهما السلام) باعتبار أن ذلك تكليفها ومسؤوليتها لأنهما حجج الله وأولياء الله.. لذلك لم ينس الحسنان (عليهما السلام) ولا أختهما العقيلة زينب (سلام الله عليها) هذا المعروف، فكانت السيدة زينب تهتم بها بعد وفاة أبيها وتتردد لزيارتها باستمرار.
ثالثاً: من وفائها أيضا تعلقها الشديد بالحسين(ع) وحبها له، فقد كانت أم البنين تحب الحسين ( عليه السَّلام ) حباً شديداً، وتتعلق به تعلقاً جعلها تنسى اولادها الذين خرجوا مع الحسين الى كربلاء، فقد روى التاريخ انه عندما وصل الركب الحسيني والسبايا بعد كربلاء الى المدينة استقبلته وسالت اول ما سألت عن الحسين(ع)، لم تسأل عن أولادها وما حل بهم، بل سألت عن الحسين(ع)، عن سيدها وامامها وقائدها وولي أمرها، كانت تريد ان تعرف ما الذي حل بالحسين(ع) قبل ان تعرف ما الذي حل باولادها؟!
فقد نعى إليها بشر بن حذلم بعدما وصل المدينة أحد أولادها الأربعة.
فقالت له: أخبرني عن أبي عبد الله الحسين ( عليه السَّلام ) ، فكلَّما كان بشرٌ ينعى إليها أحد أولادها كانت تقول أخبرني عن الحسين (عليه السلام) حتَّى نعى إليها أبا الفضل العباس (عليه السلام) فقالت: يا هذا قطّعت نياط قلبي، أولادي ومَن تحت الخضراء كلّهم فداء لأبي عبد الله الحسين (ع).
علاقة ام البنين بالحسين(ع) ليست علاقة عاطفية بل علاقة الإمامة والولاية والقيادة ، وان تهوينها على نفسها موت اولادها الأربعة وهم في ريعان الشباب إن سَلِمَ الحسين (عليه السَّلام) يكشف عن مستوى ايماني رفيع.
كانت أم البنين تحب الحسين (ع) و تتولاه، وتفضّله وتقدمه على أبنائها الأربعة.
لقد بكت على استشهاد الحسين بكاءً شديداً أكثر من بكائها على أولادها ووقفت هذا الموقف البطولي والملفت الذي لا ينمحي من ذاكرة التاريخ أبداً عندما قدمت السؤل عن الحسين عن السؤال عن اولادها .
هذا الموقف يكشف عن مدى ولائها للامام المعصوم ، وبالتالي فهي تُعلمنا جميعاً درساً تربوياً في الإخلاص للاسلام وللولي يحمي الدين ويقدم نفسهفمن اجل حماية الدين ، وكيف ان الانسان المؤمن على استعداد لبذل النفس والجهد والمال والتضحية بكلّ غالٍ ونفيس في سبيل الاسلام الذي ضحى من اجله أئمة أهل البيت (ع).
رابعا: ولا شك بحسب الروايات ان ام البنين كانت موجودة بعد كربلاء في المدينة المنورة، اي كانت لا تزال على قيد الحياة، وقد خرجت في استقبال قافلة السبايا والركب الحسيني بعد عودته من رحلة السبي، وهي وان لم تحضر واقعة الطف ولم تكن مع النساء في كربلاء ، إلاّ أنّها واست أهل البيت (عليهم السلام) و ضحَّت من أجل الدفاع عن الإسلام بتقديم أولادها الشباب الأبطال الأربعة فداءً للحسين (عليه السَّلام) ولأهدافه السامية، لقد أكرمها الله عندما جعلها أُمّاً لأربعة شهداء، فإن هذه الكرامة هي منصبٌ عظيم وشرفٌ عظيم لا يناله كلُّ شخص، هذا يكشف عن عظمة ومكانة هذه المر؟أة عند الله ولولم تملك ام البنين أهلية ومكانة عظيمة عند الله تعالى لما وفقها الله لهذا الشرف والوسام الكبير، بأن جعلها أُماً لأربعة شهداء، فكلُّ أولادها مضو شهداء في طريق في سبيل الاسلام وقيمه ومفاهيمه، وهذا شرفٌ لا يناله الا من اخلص الايمان والجهاد واعطاء في سبيل الله
لقد استقبلت خبر استشهاد اولادها الاربعة بما سمعناه من بشر، فهي تلقت خبر استشهادهم دفعة واحدة وفي موقف واحد، ومع ذلك لم تنهار ولم تصرخ ولم تجزع ولم تولول، بل لم تسأل عن أولادها وكيفية استشهادهم، بل سألت عن الحسين(ع)، وهذا الموقف يكشف عن قوّة إيمان هذه المرأة الجليلة ورباطة جأشها وايمانها بعدالة القضية التي خرج ابنائها للدفاع عنها مع الحسين في كربلاء، كما يكشف عن مدى ولائها لنهج أهل البيت(ع) الذين لم يتحركوا الا للدفاع عن الاسلام والامة.
هذا الموقف تجسده اليوم امهات الشهداء وعوائل الشهداء في المقاومة الذين تعلموا من ام البنين روح الايثار والعطاء والتضحية والصبر والثبات ورباطة الجأش فكانوا كأم البنين عندما يستقبلون شهدائهم.
في كل عرس من اعراس الشهادة نجد في سلوك عوائل الشهداء وهم يستقبلون شهدائهم سلوك ام البنين وصبرها وثباتها وايمانها والبشرى والطمئنينة تعلو وجههم وهذا من صلابة الايمان واليقين والثقة بالله سبحانه وتعالى.
الولاء والوفاء والتضحية نتعلمها من ام البنين ومن كل أمهات الشهداء اللاتي قدمن فلذات أكبادهن في سبيل الله.
نتعلم منهن ومن كل عوائل الشهداء، كيف نكون أوفياء لديننا ونبينا وائمتنا، وكيف نكون اوفياء للشهداء وعطاءاتهم وتضحياتهم، وكيف نكون أوفياء للذين حملوا قضايانا ودافعوا عنا وعن ارضنا وبلدنا وكرامتنا وحريتنا.
إن أقل الوفاء للشهداء ان نلتزم خطهم ونهجهم، وان نحفظ وصيتهم، وان لا نحيد عن ذلك مهما كانت الضغوط والتحديات.
اليوم وعلى الرغم من مرور اكثر من ثمانين يوما على العدوان على غزة ولبنان لا يزال العدو الصهيوني عاجزا عن تقديم انجازات عسكرية ملموسة او تحقيق مكاسب سياسية تطمئن مستوطنيه، ولا تزال المبادرة بيد المقاومة في غزة ولبنان التي تكبد العدو يوميا خسائر كبيرة في الاليات والجنود الى الحد الذي دفع قادة العدو الى الاعتراف بان الحرب في غزة تكلفهم ثمنا باهظا،وان الجبهة الشمالية تزيدهم ارباكا وقلقا، وهذا سيكون له تاثير على الوضع الداخلي الاسرائيلي وعلى مسار الحرب، لان استمرار العدوان لن تكون نتيجته سوى المزيد من الفشل والخسائر وتعميق المأزق الاسرئيلي.
المأزق الاسرئيلي اليوم ممتد من جبهة غزة الى جبهة لبنان، لان المقاومة في لبنان اوقعت العدو في حرب استنزاف يومية حقيقية، وهجرت سكان المستوطنات على طول الحدود مع فلسطين المحتلة، وعمقت المأزق الداخلي، وقرار المقاومة هو ان نبقى في الميدان وان نواصل العمليات مهما كانت الضغوط والتهديدات والتضحيات ولن نتراجع ما لم يتراجع العدو عن عدوانه على غزة.
واليوم تكامل عمل فصائل المقاومة في غزة ولبنان والعراق واليمن بات يشكل ضغطا كبيرا على العدو الصهيوني وعلى كل من يدعمه في حربه وعدوانه وهذا الدور سيتواصل ويستمر ولن يتراجع او يضعف، لانه هو الطريق الوحيد الذي نفرض فيه على العدو إيقاف الحرب على غزة.