خطبة الجمعة 1-11-2019 - الشائعات المغرضة وأثرها المدمر
الشيخ دعموش في خطبة الجمعة 1-11-2019: ما عجزتم عن تحقيقه بالحروب والعقوبات لن تستطيعوا تحقيقه من خلال إستغلال وجع الناس وفقرهم.
شدد نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: على ان ما جري خلال الإسبوعين الماضيين كان نتيجة طبيعية للأزمات الإقتصادية والمالية المتراكمة وعجز الحكومات المتعاقبة عن إيجاد الحلول الجديدة الملائمة واستمرار منظومة الهدر والفساد ونهب المال العام ، معتبرا: ان الكثير من المطالب والشعارات التي رفعت خلال التظاهرات كانت محقة وصادقة وهي مطالبنا ومطالب كل الشعب اللبناني الا ان البعض حرف الحراك عن مساره المطلبي وحوله الى حراك سياسي ليستهدف من خلاله العهد والمقاومة.
وقال: إذا كان البعض يريد إستغلال أوجاع الناس من أجل تحقيق مآرب سياسية معينة نقول له: ما عجزتم عن تحقيقه بالحروب وبالضغط السياسي وبالعقوبات لن تستطيعوا تحقيقه من خلال إستغلال وجع الناس وفقرهم وتعطيل الحياة في البلد.
واضاف: نحن نميّز بين المطالب المحقة والإستمرار في محاربة الفساد، وبين الدعوات إلى إسقاط النظام واستهداف المقاومة، فهذه الدعوات مشبوهة، وهي تآمر على المتظاهرين لأنها تصادر مطالبهم الحقيقية وتأخذ البلد إلى الفراغ والضياع والفوضى.. فنحن وفئة كبيرة من الشعب اللبناني لا نتبنى هذا الخيار، ولا نريد اسقاط النظام والدولة، وإنما نريد بناء الدولة العادلة وتنفيذ الإصلاحات والحفاظ على البلد وحمايته من الإنهيار، وهذا ما فعلناه خلال الإسبوعين الماضيين.
وأكد الشيخ دعموش : انه وبعد كل الذي جرى لا يمكن لأي حكومة قادمة أن تتبع نفس المنهجية الخاطئة التي اتبعتها الحكومات السابقة على مدى ثلاثين سنة, أو أن تتجاهل أوجاع الناس ومعاناتهم ومطالبهم المحقة.داعيا: الى تشكيل حكومة تلبي مطالب الناس وتضع في أولوياتها تنفيذ الإصلاحات ولا تصغي للإملاءات الخارجية ويكون عنوانها الأساسي في المرحلة المقبلة إعادة الثقة بين المواطنين وبين الدولة.
نص الخطبة
[إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون] ـ النور/ 91.
من المفاسد والأخطار التي تواجه المجتمع، خطر الشائعات والأخبار المزيفة والمغرضة التي تنتشر في المجتمع، والتي تعتبر سبباً للكثير من الفتن والقلاقل والاضطرابات والجرائم ، وسبباً أيضاً في خراب المجتمع وتدميره وتفكك علاقاته.
والشائعة أوالإشاعة: هي خبر أو مجموعة أخبار زائفة تنتشر في المجتمع بشكل سريع، ويتم التداول فيها بين عامة الناس من دون التأكد من صحتها.
والشائعات غالباً ما تكون أخباراً مثيرة وملفتة وموضع اهتمام الناس، ولكنها تفتقر إلى المصدر الموثوق وإلى الدليل على صحتها، بينما الناس يتناقلونها على أنها حقائق ثابتة، وعندما تسأل ناقل الخبر أو ناقل الإشاعة عن المصدر؟ يقول: هكذا سمعت /هكذا قالوا/ سمعت الناس يتحدثون بذلك/ أو قرأت الخبر في الجريدة أو في المجلة/ أو سمعت من وسائل الإعلام من الراديو من التلفاز/ او هكذا جاء في خبر عاجل/ أو جاءني بالواتس آب أو بالفايسبوك الخ...
والشائعات على أنواع: أخطرها وأشدها فتكاً في المجتمع تلك التي تتعلّق بأعراض الناس ومسائل الشرف والحياة الخاصة، أو تلك التي تتعلق بأمن الناس وسلامهم واستقرارهم..
أما الشائعات التي تتعلق بأعراض الناس وبالشرف فهي من قبيل اتهام فلان أو فلانة بالزنى، بالفاحشة، وإشاعة ذلك بين الناس/ وقذف المحصنات/ اتهام فلان بالقتل او بالسرقة/ وكشف أسرار الناس ودخائل الناس والحديث عن عيوبهم عن ذنوبهم عن أعمالهم عن منكراتهم وسيئاتهم وتارة يكون الحديث عن فرد بهدف التشهير به ،وأخرى عن عائلة وأسرة بأكملها بهدف النيل من سمعتها، وثالثة عن جهة عن حزب بهدف النيل من صورته.. وكل ذلك حرام وغير جائز حتى ولو كان صحيحاً ومؤكداً.
وفي هذا يقول الله تعالى: [إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة].
والفاحشة هنا ليست القضايا المتعلقة بالعرض والشرف فقط، بل كل عمل سيء وقبيح ومنكريسيء الى صاحبه.
وهذا يعني ان أي عمل قبيح ومنكر من أي نوع كان فإنه تحرم إشاعته، لأن إشاعة المنكر قد تشجع ضعاف الايمان على ارتكاب المنكرات واستسهال فعل المنكرات وتفتح شهية الآخرين على ذلك.
وهكذا فإن الشائعات التي التي تمس عرض الإنسان وشرف الإنسان الهدف منها الحط من كرامة الإنسان بسبب عداوة أو حسد أو تنافس شخصي أو سياسي أو غير ذلك أو من أجل الانتقام مثلاً أو تصفية الحساب مع أشخاص معنيين أو إزالة الثقة بشخصيات أو رموز او جهات معينة.
بعض الناس يفتشون عن أسرار الناس وعيوبهم وسلبياتهم فقط لأجل فضحهم والتشهير بهم وتعييرهم وإذاعة اسرارهم ،وهذا أمر في غاية الخطورة وهو حرام.
وفي ذلك يقول النبي (ص) في الحديث: من أحصى على أخيه المؤمن عيباً ليشينه به ويهدم مروته فقد تبوأ مقعده من النار.
وفي حديث آخر: أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن يواخي الرجلُ الرجلَ على الدين فيحصي عليه عثراته وزلاته ليعنفه بها يوماً ما.
وأما الشائعات التي تتعلق بأمن الناس وباستقرارهم فهي من قبيل الشائعات والأخبار المزيفة والمبالغ فيها التي يحرص الأعداء على نشرها في المجتمع وبين الناس من أجل تخويفهم وإحداث القلق والبلبلة في صفوفهم أو لإضعافهم وإحباطهم والضغط عليهم.
فمثلاً في تاريخ الإسلام وفي إحدى المعارك أشاع العدو والمنافقون أن تحالفاً عظيماً تكوّن في مواجهة الإسلام والمسلمين، وروجوا أن جيوش المشركين واليهود وغيرهم احتشدوا وزحفوا جميعاً لغزو المسلمين، وكان الهدف من هذه الشائعة إخافة المسلمين وبث الرعب في قلوبهم وإضعاف معنوياتهم وشل إرادتهم عن القتال.. والضغط عليهم حتى يستسلموا ويتراجعوا وينهزموا.
وفي ذلك يقول الله تعالى: [الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل].
وقد حصلت مثل هذه الشائعات التي تستهدف المعنويات والإرادة والعزم ضد المقاومة الإسلامية في لبنان، حيث استخدم العدو الإسرائيلي حرب الدعاية وحرب الأعصاب والحرب النفسية وحرب الشائعات ضد المقاومة منذ انطلاقتها وذلك عندما كان يبث العدو: بأن الجيش الإسرائيلي جيش لا يقهر، أو من خلال التسريبات التي كان يطلقها العدو عن سياسة الأرض المحروقة التي سينتهجها في الجنوب ، أو من خلال البيانات التحذيرية التي كانت تطلب من السكان إخلاء القرى والبلدات في الجنوب والبقاع الغربي.. وغير ذلك.
واليوم قد تستخدم نفس هذه الحرب من قبل اعداء المقاومة لتخويف الناس من المقاومة والتحريض عليها والايقاع بينها وبين حلفائها.
والسؤال كيف ينبغي التعاطي مع كل هذا النوع من الشائعات سواء كانت في المجال الاجتماعي الاخلاقي أو في المجال الأمني؟
وماذا يجب على الإنسان المؤمن أن يفعل إذا وصله خبر أو شائعة أو إشاعة معينة في أي مجال كانت؟؟
الحقيقة أن هناك شيئاً أساسياً يجب الالتفات اليه وهو: أن الاسلام حذر من ان يكون الإنسان المؤمن قوالاً.. أي أن يكون كثير الكلام فيما لا يعنيه أو أن يكون كثير الحديث بشؤون الناس وأحوالهم وأوضاعهم الخاصة.
بعض الناس شغلهم الشاغل أن يتناولوا أسرار الناس وعيوبهم أن يتداولوا بأخبار الناس، أن يتحدثوا بكل ما يسمعونه.. بكل ما يطرق آذانهم من دون تحقق ومن دون تثبت.ز
الله عز وجل يقول: [ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً] ـ الإسراء 36.
أي لا تنقل خبراً إلا بعد التثبت من صحته سواء كان قولاً يقال أو رواية تروى لأنك ستسأل عن ذلك يوم القيام عن ذلك.
النبي (ص) ينهانا عن كثرة الكلام وعن القيل والقال لأنه يؤدي الى كشف أسرار الناس واغتيابهم والكذب والنميمة وغيرها من الموبقات الأخلاقية.
يقول النبي (ص): إن الله كره لكم ثلاثاً: قيل وقال، وأضاعة الحال وكثرة السؤال.
وفي حديث آخر عنه (ص) : كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع.
إذن أول شيء يجب على الإنسان المؤمن أن يفعله إذا سمع خبراً ليس متأكدا من صحته هو عدم إشاعته وعدم نقله وعدم التداول به لأنه قد يكون كذباً.
ثانياً: أن يشعر بمخافة الله ورقابته، فلا يسيء الظن بالآخرين ولا يهتك أعراضهم ولا يساهم في نشر ما يتعلق بحياتهم الخاصة وأسرارهم.
ثالثاً: أن لا يصدق ما ينقل إليه وخاصة إذا جاء الخبر من فاسق لا يتقي الله وبالأخص إذا كان المستهدف بالخبر مؤمناً.
فالله تعالى يقول: [يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينو أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين].
ورابعاً: أن نرد الشائعات والأخبار التي يراد منها تخويف الناس والمتعلقة بالقضايا الأمنية إلى المعنيين إلى الأجهزة المعنية والجهات المعنية لأنهم الأقدر على كيفية التعامل مع أخبار من هذا النوع، فمن كان عنده خبر حول أمر يمكن أن يعرض الناس لخطر، عليه أن يوصل الخبر إلى الجهات المعنية ليبحثوا عن صحته ودقته وليتخذوا الإجراءات اللازمة لمواجهة الخطر بدل أن نذيع الخبر وننشره ونخوف الناس ونرعبهم وهذا ما أمر الله به بقوله تعالى:
[وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أُولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً] ـ النساء / 83.
خامساً وأخيراً: عدم الخوف من الشائعات وتفويت الفرصة على العدو والوقوف بثبات وشجاعة تجاه كل حالات التثبيط والتخويف ، والخوف من الله وحده.
[الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضلٍ لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم، إنما ذلكم الشيطان يُخوِّف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين].
نحن قوم لا نخاف إلا من الله، نحن قوم نزداد ايماناً وثقة بالله عندما نواجه الأعداء والمتربصين بنا ، نحن مجتمع ومقاومة نزداد قناعة بصوابية وصحة خياراتنا عندما نرى كيف ان اعداءنا يحاولون استغلال كل شيء لاستهدافنا فهذا دليل على قوتنا وحجم تأثيرنا من جهة ومن جهة مقابلة هو دليل على فشلهم وعجزهم في النيل منا .
ما جري خلال الإسبوعين الماضيين كان نتيجة طبيعية للأزمات الإقتصادية والمالية المتراكمة وعجز الحكومات المتعاقبة عن إيجاد الحلول الجديدة الملائمة واستمرار منظومة الهدر والفساد ونهب المال العام ، وكثير من المطالب والشعارات التي رفعت خلال التظاهرات كانت محقة وصادقة وهي مطالبنا ومطالب كل الشعب اللبناني الا ان البعض حرف الحراك عن مساره المطلبي وحوله الى حراك سياسي يستهدف من خلاله العهد والمقاومة.
إذا كان البعض يريد إستغلال أوجاع الناس من أجل تحقيق مآرب سياسية معينة نقول له: ما عجزتم عن تحقيقه بالحروب وبالضغط السياسي وبالعقوبات لن تستطيعوا تحقيقه من خلال إستغلال وجع الناس وفقرهم وتعطيل الحياة في البلد.
نحن نميّز بين المطالب المحقة والإستمرار في محاربة الفساد وبين الدعوات إلى إسقاط النظام واستهداف المقاومة فهذه الدعوات مشبوهة وهي تآمر على المتظاهرين لأنها تصادر مطالبهم الحقيقية وتأخذ البلد إلى الفراغ والضياع والفوضى.
نحن وفئة كبيرة من الشعب اللبناني لا نتبنى هذا الخيار ولا نريد اسقاط النظام والدولة وإنما نريد بناء الدولة العادلة وتنفيذ الإصلاحات والحفاظ على البلد وحمايته من الإنهيار وهذا ما فعلناه خلال الإسبوعين الماضيين.
وبعد كل الذي جرى لا يمكن لأي حكومة قادمة أن تتبع نفس المنهجية الخاطئة التي اتبعتها الحكومات السابقة على مدى ثلاثين سنة, أو أن تتجاهل أوجاع الناس ومعاناتهم ومطالبهم المحقة.
والمطلوب اليوم حكومة تلبي مطالب الناس وتضع في أولوياتها تنفيذ الإصلاحات ولا تصغي للإملاءات الخارجية ويكون عنوانها الأساسي في المرحلة المقبلة إعادة الثقة بين المواطنين وبين الدولة.