خطبة الجمعة 27-12-2019 - فلسفة تعدد الأديان والنبوات
الشيخ دعموش في خطبة الجمعة 27-12-2019: أي تعطيل لمسار تشكيل الحكومة في هذه الظروف الصعبة هو خطيئة كبرى بحق الوطن .
رأى نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: أن الوضع الاجتماعي والمعيشي والمالي الصعب الذي يمر به لبنان والذي يزداد سوءا يوما بعد يوم، لا يحتمل اي تأخير او تعطيل او عرقلة في تشكيل الحكومة، خصوصا ان معالجة الأزمات القائمة وإجراء الاصلاحات الملائمة التي تمنع البلد من الانهيار، لا يمكن ان تتم بدون وجود حكومة فاعلة وقادرة على انقاذ البلد، وهذا يتطلب من الأطراف السياسية الحريصة على عملية الانقاذ تسهيل مهمة الرئيس المكلف والتعاون معه والمشاركة في تحمل المسؤولية، ليتمكن من تشكيل حكومة تخرج اللبنانين من الازمات التي يعانون منها. معتبراً: أن أي تعطيل لمسار التشكيل في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها البلد هو خطيئة كبرى بحق الوطن .
وشدد الشيخ دعموش: على ان اللبنانيين اليوم أمام فرصة لتشكيل حكومة منسجمة وقادرة على انقاذ البلد، فلا يجوز ان نضيعها بمحاولة استهداف الرئيس المكلف، وإسقاطه في طائفته، وتوتير الشارع، لان ذلك سيؤدي الى ادخال البلد مجددا في الفراغ والفوضى، وسيفاقم من الانحدار والتدهور الاجتماعي والاقتصادي.
نص الخطبة
نبارك لكم ولعموم المسلمين والمسيحيين ذكرى ولادة نبي الله عيسى بن مريم عليه السلام هذا النبي المعجزة الذي خلقه الله من غير أب وانطقه الله وآتاه الكتاب وجعله نبيا وهو في المهد صبيا (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا).
وبهذه المناسبة أود أنْ أتحدّث عن فكرة تعدد الأديان والشرائع وفكرة التغيير والتجديد في النبوّات ، لماذا تعددت الاديان ولم يجعل الله للناس دينا واحدا يعتنقوه جميعا؟ ولماذا يغير الله أنبيائه ويرسل في كل مرحلة زمنية نبيا جديدا؟ الى حد ان الله ارسل مائة واربعة وعشرين ألف نبي كما في بعض الروايات وكان خاتمهم نبينا محمد (ص).
بداية يجب ان نلتفت الى ان خط الاديان والرسالات السماوية واحد والدين هو واحد ودعوة الرسالات والانبياء والرسل على اختلافهم هي دعوة واحدة فالدين عند الله ولدى جميع الانبياء هو الاسلام ودعوة جميع الانبياء هي الدعوة الى التوحيدوعبادة الله الواحد الذي لا شريك له ولا مثيل .
فالاسلام هو الدّين السماوي الوحيد الذي جاء به كل الانبياء، وفكرة التوحيد وربط الإنسان بكامل وجوده وجوانب حياته بربٍّ واحد أحد، هذه الفكرة هي القاسم المشترك بين كل النبوّات والرسالات التي عاشها الإنسان ، منذ أنْ خلقه اللّه سبحانه وتعالى على وجه الأرض.
يقول تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام{
ويقول: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين{.
فكلُ الأنبياء مسلمون، وجاؤوا بدين الاسلام، بمعنى إسلام الوجه لله والتسليم لله والخضوع له والإنقياد لأمره و الطاعة له سبحانه وتعالى، كما قال تعالى:(قُولُو اْءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَٰهيمِۦ وَإِسْمَٰعِيلَ وَإِسْحَٰقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِىَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِىَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُۥ مُسْلِمُونَ ).
ابراهيم ابو الانبياء كان مسلما وجاء بالدين الحنيف: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ءال عمران/67.
نبي الله عيسى (ع)كان على الإسلام ودينه الإسلام ، قال تعالى : ( فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ، رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ). ءال عمران) 52-53)
نوح(ع) ايضا كان مسلما، كما في قوله تعالى على لسان نبيه نوح: (فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إلَّا عَلَى الله وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) يونس:72
وقال سبحانه وتعالى عن أمر موسى لقومه: وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ) يونس:84
إذن لم ينزل الله سبحانه وتعالى سوى دين واحد فقط لا أكثر هو دين الاسلام، وإن اختلفت الشرائع والاحكام بين رسالة واخرى.
قال تعالى: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) الشورى 13.
فالإسلام هو دين جميع الأنبياء، والعقيدة التي دعا إليها الأنبياء هي عقيدة التوحيد .
فكل الأنبياء قالوا لا إله إلا الله وكلهم دعوا إلى عبادة الله الواحد الذي لا شريك له .
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}.النحل:36
وقال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ } الأنبياء: 25
وقال رسول الله (ص): "أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله".
إذن فالدين واحد هو دين التوحيد ودين التسليم لله الواحد الاحد لا شريك له، وعلى مر العصور هناك من الناس من آمن بالدين ومنهم من كفر به. (فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا )
فالدين واحد، نعم الذي تعدد هو الشرائع والاحكام والانبياء والرسل وهذا له اسبابه فمن أسبابه:
اولا ، ان لطف اللّه بعباده وحرصه على هدايتهم وسعادتهم اقتضى ان يبعث إليهم في كلّ مرحلة زمنية نبيا او رسولا، بحيث لا يخلو عصر من العصور ولا مجتمع بشري من نبي او رسول لهداية الناس ودعوتهم إلى اللّه سبحانه وتعالى لكي لا تكون لأيّ إنسان على اللّه حجّة، فحتى لا يحتج احد على الله ويقول يا رب انت لم ترسل لي من يهديني ويطهرني ويعلمني! كان لابدّ من أن لا تخلو الأرض من حجّة في الكثير من الأماكن والمراحل الزمنية.( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) يونس47
ثانيا: انتهاء الدور الذي جاءت لاجله النبوة او الشريعة حيث ان بعض الرسالات وبعض الانبياء جاء لمعالجة امراض طارئة في حياة البشرية كالمسيحية التي يقال انها جاءت لمعالجة مرض الانغماس المطلق في الدنيا ، ومصالح الدنيا ، واموالها ، هذه الحالة كانت بحاجة إلى علاج فجاءت الرسالة المسيحية وعالجت هذه الحالة التي كان يعيشها الشعب اليهودي في تلك المرحلة وركزت على الحالة الروحية والعودة الى الله سبحانه وتعالى.
ثالثا: من جملة الأسباب المعقولة لتغيير النبوة هو وقوع التّحريف العمديّ أو التّفسير والفهم الخاطئ للكتاب السماوي ولتراثها الروحي او الفكري بحيث يصل إلى حدّ الانحراف عن المسار الّذي يريده الله تعالى، كما حصل في التوراة والإنجيل حيث لا يمكن أنْ يستمر العمل على أساسهما بعد ان حرفا ولم يعودا يمثلان الانجيل والتوراة الحقيقيين اللذين جاء بهما كل من موسى وعيسى ، ففي مثل هذه الحالة، لا بدّ من رسالة جديدة وكتاب سماوي جديد ، لكي يستأنف العمل في سبيل إعادة البشرية إلى ربّها ، وإقامة دعائم العدل والحق والتوحيد على وجه الأرض.
رابعاً : اختلاف البيئات وتغير الظروف وتطوّر المجتمعات والعقول، وتوسّع وتعقّد العلاقات الاجتماعيّة، حيث تفرض هذه المتغيرات التي تحصل بين مرحلة واخرى تطوير الأحكام والقوانين والتشريعات الفرديّة والاجتماعيّة، إضافة إلى الحاجة الى تشريعات جديدة لم تكن تحتاجها المجتمعات السّابقة أساساً، وهذا يفرض وجود شرائع جديدة تواكب التطورات والحاجات البشرية على يد أنبياء جدد.
اليوم المطلوب من اتباع الديانات واتباع الانبياء حمل رسالتهم، رسالة التوحيد والعمل بها، الايمان بالله وتوحيد الله بأن نعبده ولا نعبد غيره ولا نشرك معه احدا ، وان نسلم له ونطيعه وننقاد الى مشيئته وإرادته، (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ) .
علينا ان نجسد تعاليم الانبياء وقيمهم وأخلاقهم، أخلاق الايمان والمحبة والرحمة والتواضع والعفو والتسامح والعدل وحسن معاشرة الآخرين ومراعاة حقوقهم والتعامل مع الناس بالمعروف والاحسان ، وان نعلم هذه القيم وهذه الاخلاق لاسرنا واولادناوأجيالنا، وان ننشر هذه القيم وهذه الاخلاق في مجتمعاتنا لتكون مجتمعاتنا مجتمعات آمنة على المستوى الاخلاقي والسلوكي والاجتماعي، وان لا ننساق مع أهوائنا وشهواتنا ونزواتنا كما يفعل البعض عند الاحتفال بالميلاد او بمناسبة راس السنة، فان الكثير من الممارسات والسلوكيات التي تحصل في هذه المناسبة تتنافى مع اخلاق الانبياء ومع قيم الايمان التي ينبغي للانسان ان يتحلى بها إنطلاقا من ايمانه برسالة السيد المسيح ورسالات الانبياء.
اليوم الوضع الاجتماعي والمعيشي والمالي الصعب الذي يمر به لبنان والذي يزداد سوءا يوما بعد لا يحتمل اي تأخير او تعطيل او عرقلة في تشكيل الحكومة خصوصا ان معالجة الأزمات القائمة وإجراء الاصلاحات الملائمة التي تمنع البلد من الانهيار، لا يمكن ان تتم بدون وجود حكومة فاعلة وقادرة على انقاذ البلد، وهذا يتطلب من الأطراف السياسية الحريصة على عملية الانقاذ تسهيل مهمة الرئيس المكلف والتعاون معه والمشاركة في تحمل المسؤولية، ليتمكن من تشكيل حكومة تخرج اللبنانين من الازمات التي يعانون منها واي تعطيل لمسار التشكيل في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها البلد هو خطيئة كبرى بحق الوطن .
اليوم اللبنانيون أمام فرصة لتشكيل حكومة منسجمة وقادرة على انقاذ البلد فلا يجوز ان نضيعها بمحاولة استهداف الرئيس المكلف وإسقاطه في طائفته وتوتير الشارع لان ذلك سيؤدي الى ادخال البلد مجددا في الفراغ والفوضى وسيفاقم من الانحدار والتدهور الاجتماعي والاقتصادي.