خطبة الجمعة 25-10-2019 - التصوير القرآني لأخلاق النبي(ص)
الشيخ دعموش في خطبة الجمعة 25-10-2019: من حق الناس التظاهر والتعبير عن المطالب لكن ليس من حق أحد إحداث الفوضي وإقفال الطرقات .
رأى نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: أن المشاركة الواسعة العابرة للطوائف والمذاهب والمناطق والفئات في المظاهرات الشعبية تؤكد ان اللبنانيين لم يعودوا يتحملوا الاوضاع التي وصل اليها البلد على المستوى الاجتماعي والمعيشي،معتبرا: ان من حق الناس ان يتظاهروا ويعتصموا ويعبروا عن جوعهم ومعاناتهم مطالبهم لكن ليس من حق أحد إحداث الفوضي في البلد وإقفال الطرقات وتعطيل حياة الناس، فالتظاهر لا يعني التسيب والفوضى ولا تعطيل حركة وعلى الجيش والقوى الأمنية فتح الطرقات لان ترك الامور سائبة على الطرقات يفتح على المزيد من الفوضى والخراب.
وشدد: على ضرورة اعادة الحياة الى البلد من خلال فتح الطرق والمدارس والجامعات والبنوك من دون المس بالمظاهرات والاعتصامات التي يمكن ان تبقى في الساحات العامة وعلى جوانب الطرقات والتعبير عن المطالب بكل حرية، وهذا حق من حقوق الناس ليس لأحد ان ينتزعه منهم لكن ليس لأحد الاعتداء على حرية الناس في التنقل والحركة على الاطلاق.
واشار الشيخ دعموش الى ان الحراك الشعبي اسنطاع الى الان الضغط على السلطة وتحقق انجازات، والورقة الاصلاحية التي اقرها مجلس الوزراء ما كانت لتبصر النور لولا قوة الشارع وضغط الحراك، ويمكن بالبناء على هذا الحراك تحقيق انجازات اخرى لمصلحة كل اللبنانيين، لكننا نخشى على هذه الانجازات من ان تضيع في دهاليز السياسة، كما نخشى على الحراك من اولئك الذين يريدون استغلال التظاهرات المطلبية لتصفية حسابات سياسية مع العهد، فالقوات اللبنانية تقود بعض المظاهرات ليس على اساس مطلبي بل بخلفية سياسية ضد العهد واليتار الوطني الحر.
وأكد: ان العنوان الاساسي الذي يجب ان تعمل عليه الحكومة في المرحلة المقبلة هو اعادة الثقة التي باتت مفقودة بالدولة وبالطبقة السياسية، وهذا يتطلب جدية فائقة ومتابعة حثيثة لتنفيذ الورقة الاصلاحية بشفافية كاملة وفتح ملفات الفساد ومحاسبة الفاسدين، واستعادة الاموال المنهوبة، واعطاء اصحاب الحقوق حقوقهم، ومن دون ذلك فان البلد مرشح للمزيد من الفوضى والانفجار الشعبي.
نص الخطبة
عندما نعود للقرآن الكريم سنجد ان المواصفات الشخصية المؤمنة بنماذجها المختلفة قد تجسدت بصورة عملية وفعلية في شخصية رسول الله محمدِ بنِ عبد الله (ص).
فرسول الله (ص) كان قمة في كل شيء كان (ص) عظيماً في فكره ووعيه، وقمةً في عبادته وعلاقته بربه، ورائداً في أسلوب تعامله مع أسرته وعائلته وفي تعامله مع أمته، ومثالياً في اتخاذ القرار وحسم الموقف ، وعنوانا للصدق والاخلاص والوفاءوالإباء والشجاعة والجهاد والتضحية في سبيل الله ، فما من فضيلة إلا ورسولُ الله (ص) سابقٌ إليها وما من مكرمةٍ إلا وهي متجسدة في شخصيته.
ولا شك في أن أصدق شاهد على عظمة أخلاقِ رسول الله (ص) هو القرآنُ الكريم وهو كلام الله سبحانه وتعالى {ومن أصدقُ من الله قيلا}. ومهما قيل من ثناءٍ على أخلاقه قديماً وحديثاً فإن ثناء الله تعالى عليه في كتابه العزيز يظل أدقَ تعبيرٍ وأصدقَ وصفٍ لخصائص شخصيته العظيمة وصفاتها ومميزاتها.
فقد أشاد القرآنُ الكريمُ بأخلاق رسول الله (ص)، والآياتُ التي تتحدثُ عن شخصيته وخصائصه وصفاته الأخلاقية والإنسانية السامية كثيرة في القرآن وذات دلالات عظيمة.
فقول الله تعالى {وإنك لعلى خلق عظيم} يعجِزُ كلُ قَلم وكلُ تصور وبيانٍ عن تحديد عظمته فهو شهادةٌ من الله سبحانه على عظمة أخلاق الرسول وسموِ منزلته وعلوِ شأنه في مجال التعامل مع ربه ونفسه ومجتمعه، بناءً على أن الأخلاق مفهومٌ شاملٌ لجميع مظاهر السلوك الإنساني.
وقد تحدث القرآنُ الكريم في موضع آخر عن جانب العفو والرحمة والرفق واللين والتواضع في سلوك النبي (ص) وتعامله مع الآخرين، فقال تعالى {فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنتَ فظاً غليظَ القلب لانفضوا من حولك فاعفُ عنهم واستغفرْ لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحبُ المتوكلين} آل عمران/159. اي برحمة الله تعاملت مع المسيئين والجاهلين فعاملتهم باللين واللطف وتحملت أخطاءهم واساءاتهم وأذاهم وتجاوزاتهم وصبرت فاستقطبتهم بذلك الى رسالتك ودينك ولوكنت فظاً وقاسيا في كلماتك وفي اسلوبك لما صدقوك وآمنوا بك ولتركوك وتفرقوا عنك ونفروا منك.. لكن باخلاقك اجتذبتهم.. فاعفوا عنهم واستغفر لهم
ووصفتْ آياتٌ أخرى رسولَ الله (ص) بأوصاف تكشف عن مدى تأثره واهتمامه بالمسلمين وشؤونهم وحرصهِ عليهم، وتعبرُ عن مدى عطفه عليهم وشفقتهِ ورحمتهِ بهم، وكيف أنه حين كان يُصيبُ الواحدَ منهم بعضُ المشقةِ والتعب فإنه(ص) كان يحزنُ ويتألمُ وتخيمُ عليه علامات الآسى والحزن وتظهرُ في ملامحه.
قال تعالى في بعض الآيات: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتم – أي يَعِزُ عليه تَعبُكُم – حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم} التوبة/128.
وقد بلغ من عظمة شخصية رسول الله (ص) أنه عندما سُئلَ عليُ بنُ أبي طالب (ع) عن أخلاق النبي (ص) أجاب(ع): كيف أصفُ أخلاقَ النبي (ص) وقد شهدَ اللهُ تعالى بأنه عظيم حيث قال: {وإنك لعلى خلق عظيم}.
فقد روي أن يهودياً من فصحاء اليهود جاء إلى عمر في أيام خلافته فقال:
أخبرني عن أخلاق رسولكم.
فقال عمر: أطلبه من بلال فهو أعلم به مني ثم إن بلالاً دلَّه على فاطمة (ع) ثم فاطمة دلَّته على علي (ع)فلما سأل علياً عنه قال (ع) : صف لي متاع الدنيا حتى أصف لك أخلاقه؟
فقال الرجل: هذا لا يتيسَّر لي...!!!
فقال علي (ع): عجزت عن وصف متاع الدنيا وقد شهد الله على قلَّته حيث قال:
"قل متاع الدنيا قليل" فكيف أصف لك أخلاق النبي (صلى الله عليه وآله) وقد شهد الله تعالى بأنه عظيم حيث قال: (وإنَّـــــك لــــعــــلــــى خُـــلـــقٍ عـــظــــيــــــم).
وسئلت إحدى زوجاتِهِ عن أخلاقه (ص) فقالت: كان خُلُقُ رسول الله القرآن أو كان خلقه القرآن، أي أن أخلاق القرآن وقيمَ القرآن تجسدت في شخصيته (ص).
وسموُّ أخلاق النبي (ص) في كل مجالات الفضيلةِ وكرمِ النفس والنبلِ والطهارةِ والرحمةِ والرفقِ واللينِ والتواضع إنما جاءت حصيلةَ إعدادٍ إلهيٍ خاص واكب النبي (ص) قبل الدعوة وواكبَه بعدها. فقد صِيغتْ شخصيةُ رسول الله (ص) قبل الدعوة من قبل الله سبحانه وفق تخطيط إلهي ليكون كفوءاً وأهلاً للرسالة الإلهية وتجسيداً حياً لها. وإلى هذا النوع من الإعداد الإلهي للنبي الأعظم (ص) يشيرُ الإمامُ علي (ع) وهو أكثرُ الناس معرفة والتصاقاً به فيقول: (ولقد قرنَ اللهُ به (ص) من لَّدُنْ أنْ كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسنَ أخلاق العالم ليله ونهاره).
وبسبب تلك الرعاية الربانية الخاصة للرسول (ص) تميزت شخصيته (ص) عن جميع أبناء مجتمعة وصار علماً في سمو أخلاقه ، ومضرباً للمثل في فضله وصدقه وأمانته، وقبل أن يتحدث القرآن عن عظمة أخلاقه فقد نطق الكفار والمشركون بهذه الحقيقة قبل أن يبعثه الله بالرسالة، فاتصافُ النبي (ص) بالخلق العظيم لم يكن وليد الفترة التي بُعث فيها، أو من إفرازات تلك المرحلة تماشياً مع أهمية الدور الملقى على عاتقه، لا ابداً، بل التاريخُ يذكر أن النبي (ص) كان ذا منزلةٍ أخلاقية عظيمة في العهد الجاهلي وكان محلَ إعجاب قومه ومجتمعه وتقديرهِم واحترامِهم. بل ومضربَ المثل في ذلك، وقد شهد الكفارُ أنفسُهُم لرسول الله (ص) بالعفاف وصدق الحديث وأداء الأمانة ونزاهةِ الذات. فقد روي أن الأخنسَ بنَ شَريفٍ لقي أبا جهلٍ يوم بدر فقال له: يا أبا الحكم ليس هنا غيري وغيرُك يسمع كلامنا، أخبرني عن محمد أصادقٌ هو أم كاذب؟! فقال أبو جهل: والله إن محمداً لصادقٌ وما كذب قط.
وقال النضرُ بنُ الحارث لقريش: قد كان محمدٌ فيكم غلاماً حَدَثاً أرضاكم فيكم، وأصدقَكُم حديثاً وأعظمَكم أمانة حتى إذا رأيتم في صُدغَيه الشيبَ وجاءكم بما جاءكم به قُلتم ساحر؟ ألاَ واللهِ ما هو بساحر.
ولما بَعَثَ رسولُ الله (ص) إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام، أحضرَ قيصرُ أبا سفيان وسأله بعض الأسئلة مستفسراً عن النبي (ص) ومما سأله قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فقال أبو سفيان : لا، قال: فهل يغدر؟ قال: لا، قال: كيف عقلُهُ ورأيُهُ؟ قال ابو سفيان: لم نعب له عقلاً ولا رأياً قط.
ولأن السيرة النبوية الذاتية والأخلاقية والعامة قد احتلت المَقام الثاني بعد القرآن الكريم، فإن من الضروري وعي سيرة النبي (ص) والتعرفَ عليهاوالاقتداء بها لأن وعيها والاقتداء بها إنما هو وعي للإسلام واقتداء به.
ونحن بحاجة الى تجسيد هذه الاخلاق في حياتنا الخاصةوالعامة بحاجة الى اخلاق رسول الله لنجسدها في تعاملنا مع اسرنا داخل بيوتنا ولنجسدها في تعاملنا مع الناس ولنواجه بها كل الاستحقاقات والتحديات والازمات.
الحراك والمشاركة الواسعة العابرة للطوائف والمذاهب والمناطق والفئات في المظاهرات الشعبية تؤكد ان اللبنانيين لم يعودوا يتحملوا الاوضاع التي وصل اليها البلد على المستوى الاجتماعي والمعيشي، فمن حق الناس ان يتظاهروا ويعتصموا ويعبروا عن وجعهم وجوعهم ومعاناتهم مطالبهم لكن ليس من حق أحد إحداث الفوضي في البلد وإقفال الطرقات وتعطيل حياة الناس، فالتظاهر لا يعني التسيب والفوضى ولا تعطيل حركة الناس، وعلى الجيش والقوى الأمنية فتح الطرقات لان ترك الامور سائبة على الطرقات يفتح على المزيد من الفوضى والخراب.
لا بد اعادة الحياة الى البلد من خلال فتح الطرق والمدارس والجامعات والبنوك من دون المس بالمظاهرات والاعتصامات التي يمكن ان تبقى في الساحات العامة وعلى جوانب الطرقات والتعبير عن المطالب بكل حرية، وهذا حق من حقوق الناس ليس لأحد ان ينتزعه منهم لكن ليس لأحد الاعتداء على حرية الناس في التنقل والحركة على الاطلاق.
الحراك الشعبي استطاع الى الان الضغط على السلطة وتحقيق انجازات، والورقة الاصلاحية التي اقرها مجلس الوزراء ما كانت لتبصر النور لولا قوة الشارع وضغط الحراك، ويمكن بالبناء على هذا الحراك تحقيق انجازات اخرى لمصلحة كل اللبنانيين، لكننا نخشى على هذه الانجازات من ان تضيع في دهاليز السياسة، كما نخشى على الحراك من اولئك الذين يريدون استغلال التظاهرات المطلبية لتصفية حسابات سياسية مع العهد، فالقوات اللبنانية تقود بعض المظاهرات ليس على اساس مطلبي بل بخلفية سياسية ضد العهد والتيار الوطني الحر.
العنوان الاساسي الذي يجب ان تعمل عليه الحكومة في المرحلة المقبلة هو اعادة الثقة التي باتت مفقودة بالدولة وبالطبقة السياسية، وهذا يتطلب جدية فائقة ومتابعة حثيثة لتنفيذ الورقة الاصلاحية بشفافية كاملة وفتح ملفات الفساد ومحاسبة الفاسدين، واستعادة الاموال المنهوبة، واعطاء اصحاب الحقوق حقوقهم، ومن دون ذلك فان البلد مرشح للمزيد من الفوضى والانفجار الشعبي.