الأمانة معيار التدين الحقيقي
خلاصة الخطبة
شدد نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: على أن لبنان بفضل دماء الشهداء ومعادلة الردع مع اسرائيل والمعادلة الثلاثية، الجيش والشعب والمقاومة، محصن بالأمن والإستقرار الى حد كبير،واليوم بات اكثر حصانة بعد كلام سماحة الامين العام بالأمس في اليوم العاشر من محرم لأنه كرس معادلة الردع مع العدو الصهيوني وزاد من مخاوفه وقلقه وارباكه، وبات على الاسرائيلي بعد هذا الكلام القاطع أن يفكر طويلا في تداعيات ونتائج أي حرب يشنها على لبنان على كيانه ووجوده .
ورأى: أن لبنان الذي يعزز خطاب سماحة الأمين العام بالأمس من حصانته على الصعيد الأمني بحاجة الى حكومة والى مؤسسات حقيقية تقوم بدورها في معالجة الأزمات المتعددة التي يعاني منها المواطن والمجتمع، داعيا: الى ابتكار حلول للعقد الحكومية وإعادة فتح الأفق لتشكيل الحكومة بأسرع وقت، لأن للمراوحة سلبيات وأضرارا قد لا تقتصر على الوضع الإقتصادي والمالي والمعيشي بل قد تتعداها لإلحاق الضرر بالإستقرار السياسي وبالوضع الأمني في البلد.
نص الخطبة
من أهم الصفات الأخلاقية والإجتماعية التي يتحلى بها المؤمن هي صفة الأمانة وأنه أمين ومؤتمن.
وبالعود الى النصوص والأحاديث نجد تركيزاً كبيراً على هذه الصفة بحيث اعتبرت الأمانة من أهم منظومة القيم الأخلاقية في الإسلام, وأنها عنوان الإنسان المسلم والمؤمن الحقيقي, بل جعلت في بعض الأحاديث معياراً للتدين والإلتزام في مقابل العبادة,كما في الحديث عن الامام الصادق (عليه السلام:( لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده فإنّ ذلك شئ اعتاده فلو تركه استوحش لذلك, ولكن انظروا إلى صدق حديثه وأداء أمانته.
وعن النبي(ص) قَالَ: لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ .
والأمانة تشمل كل ما يتحمل الإنسان مسؤوليته سواء كان أمراً دينياً أودنيوياً, إلا أن الأمانة تطلق في الغالب على الأمانة المالية والمادية, فعند الحديث عن الأمانة فإنّ أغلب النّاس يتبادر إلى أذهانهم الأمانة في الأمور الماليّة، إلّا أنّ الأمانة بمفهومها الواسع تستوعب جميع المواهب والنعم الإلهيّة التي أنعم الله بها على الإنسان والتي يتحمل الإنسان مسؤوليتها في الحياة.
إنّ جميع النعم المادّيّة والمواهب المعنويّة الإلهيّة على الإنسان في دينه ونفسه هي في الحقيقة أمانات إلهيّة بيد الإنسان, فالإسلام أمانة , والأعضاء والجوارح أمانة.
الأموال والثروات المادّيّة والمواقع والمناصب الاجتماعيّة والسياسيّة والعسكرية وغيرها هي أمانات بيد النّاس، ويجب عليهم مراعاتها وحفظها وأداء المسؤوليّة تجاهها.
الأولاد أمانة أيضاً بيد الوالدين، والطلّاب أمانة بيد المعلِّمين، والكائنات الطبيعيّة أمانة بيد الإنسان لا ينبغي التفريط فيها.
إلا أن ابرز أنواع ومصاديق الأمانات هي:
1- الأمانة الماليّة والأمانة في الودائع:فحفظ الأمانات المالية والمادية والودائع وأداؤها لأصحابها واجب عندما يطلبونها كما هي, ولا يحق للإنسان ان يتصرف بها، أو يتهاون في حفظها وصونها, سواء كانت مالاً او عقاراً أو ملكاً أو أي شيء آخر حتى الخيط والمخيط. تماماً كما فعل رسول (ص(مع المشركين عندما هاجر الى المدينة ، فقد كانوا يتركون ودائعهم عند النبي (ص)ليحفظها لهم,وهو الذي كان معروفاً عندهم بالصادق الأمين, فلما هاجر أمر علياً(ع) بأن يؤدي الأمانات الى أهلها, وقد يكون فيهم من عادى النبي(ص) ووقف في وجهه ووجه دعوته ورسالته.
وقد ورد الحثّ على أداء الأمانة المالية والودائع التي نؤتمن عليها في كثير من النصوص:
يقول سبحانه: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً﴾
ويقول سبحانه في وصف المؤمنين الحقيقيين: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾.
ويقول تعالى: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ﴾.
وورد عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "أُقسم لسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لي قبل وفاته بساعة مراراً ثلاثاً:يا أبا الحسن أدِّ الأمانة إلى البرّ والفاجر في ما قلّ وجلَّ حتّى في الخيط والمخيطِ".
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الله عزّ وجلّ لم يبعث نبيّاً إلّا بصدق الحديث وأداء الأمانة إلى البرّ والفاجر".
البعض قد يظن أن له أن يتهاون في حفظ أمانة الفاجر طالما هو فاجر, وأن له أن يخون أمانته وأن يسلبها ولا يؤديها اليه, خصوصاً اذا كان الفاجر من غير ملته وعلى غير دينه.. فيستحل ماله وأمانته! وهذا غير صحيح, لأن ذلك خيانة كخيانة المؤمن , فكون المؤتَمِن فاجراً أو كافراً أو فاسقاً لا يبرر لك أن تستبيح ماله وأمانته.
الإمام زين العابدين عليه السلام: "عليكم بأداء الأمانة فوالّذي بعث محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) بالحقّ نبيّاً لو أنّ قاتل أبي الحسين بن عليّ (عليه السلام) ائتمنني على السيف الّذي قتله به لأدّيته إليه".
2- الأمانة في العمل:فالعمل الذي يؤتمن عليه الإنسان هو أمانة في عنقه يتحمل مسؤوليته وعليه أن يقوم به على أكمل وجه.
فالمسؤول عن العمل والعامل والموظف عليه أن يتقن عمله ويؤديه بجودة وجد واجتهاد وأمانة،, أن يراعي دوامات العمل فيواظب على الحضور والخروج في الوقت المحدد, وأن يحفظ أموال العمل الموضوعة بين يديه ولا يتصرف بها خارج الإطار المجاز به, ويراعي تجهيزات العمل وممتلكاته ويحافظ عليها لأنها أمانة بين يديه, فليس له أن يتصرف بها كما يحلو له أو يعرضها للتسيب أو التلف.
فقد ورد عَنْ النَّبِيَّ (صَ): إِنَّ الله يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قائلاً للأشعث بن قيس: "وإنّ عملك ليس لك بطعمة ولكنّه في عنقك أمانة.
3- الأمانة في البيع والشراء والمعاملات : أن يكون المؤمن أميناً عندما يبيع أو يشتري أو يجري أي معاملة مالية وتجارية, وذلك بأن لا يغِشُّ أحدًا، ولا يحتال على أحد, ولا يغدر بأحد ولا يخون أحداً،
في الحديث؛ أَنَّ النَّبِيَّ (ص) مَرَّ بِرَجُلٍ يَبِيعُ طَعَامًا فَأَعْجَبَهُ ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ ، فَإِذَا هُوَ طَعَامٌ مَبْلُولٌ( يعني فاسد) ، فَقَالَ النَّبِيُّ (ص): لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّنَا.
4- أمانة الأسرار:الأسرار أياً كان نوعها سواء كانت شخصية أو متعلقة بالعمل أو عسكرية أو سياسية أو غير ذلك هي أمانة عند من يطلع عليها , بعض الأحيان يطلع الإنسان بحكم القرابة أو بحكم الجيرة على بعض الأسرار الشخصية الداخلية لهذا لهذه العائلة أو لتلك ولهذا البيت أو لذاك, كأن يطلع على أخطاء الزوج أو الزوجة أو الأولاد وسلبياتهم وزلاتهم, أو في بعض الأحيان الزوج يفضي لزوجته أو لأولاده بسر أو الزوجة (تفضفض) لزوجها بأسرار معينة, أحياناً الشخص بحكم موقعه ومسؤوليته يطلع على بعض الأسرار السياسية أو العسكرية, أحياناً الإنسان يكون في مجلس أو في محفل أو في سهرة أو في مقهى فيسمع بعض المعلومات والأسرار, كل ذلك أمانة بيد الإنسان ويجب عليه حفظها وعدم خيانتها وإفشائها والبوح بها في أي ظرف من الظرف, فالمؤمن يجب أن يحفظ سر أخيه ولا يخونه ولا يفشي أسراره الشخصية، ويجب أن يحفظ أسرار العمل , ويحفظ الأسرار العسكريةَ والسياسية وغيرها حتى ولو سمعها في أماكن عامة أو كان يتم التداول بها في المجالس ..
فقد ورد عن النبي(ص)أنّ: "المجالس بالأمانات" لأنّ في المجالس أسراراً وخصوصيّات لا ينبغي إفشاؤها.
وعنه(ص): إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الأَمَانَةِ (أي خيانة الأمانة) عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِى إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِى إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا.
اعظم الامناء هم الشهداء لأنهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ولانهم اثبتوا بالدم والتضحيات انهم يحمون هذا الوطن وهذه الامة ويحافظون على حريتها وكرامتها ومجدها وعنفوانها.
واليوملبنان بفضل دماء الشهداء ومعادلة الردع مع اسرائيل والمعادلة الثلاثية الجيش والشعب والمقاومة محصن الى حد كبير واليوم بات اكثر حصانة بعد كلام سماحة الامين العام في اليوم العاشر لأنه كرس معادلة الردع مع العدو الصهيوني وزاد من قلقه وارباكه وبات على الاسرائيلي بعد هذا الكلام القاطع أن يفكر طويلا في تداعيات ونتائج أي حرب يشنها على لبنان على كيانه ووجوده .
لبنان الذي يعزز خطاب سماحة الأمين العام بالأمس من حصانته على الصعيد الأمني بحاجة الى حكومة والى مؤسسات حقيقية تقوم بدورها في معالجة الأزمات المتعددة التي يعاني منها المواطن والمجتمع، ولذلك المطلوب ابتكار حلول للعقد الحكومية وإعادة فتح الأفق لتشكيل الحكومة بأسرع وقت لأن للمراوحة سلبيات وأضرار قد لا تقتصر على الوضع الإقتصادي والمالي والمعيشي بل قد تتعداها لإلحاق الضرر بالإستقرار السياسي والوضع الأمني في البلد
والحمد لله رب العالمين