الحديث الرمضاني(12) قضاء الحوائج لا يعني الإتكالية
خصوصا عندما يكون الانسان في موقع يستطيع من خلاله خدمة الناس كأن يكون متمكنا ماليا او لديه مسؤولية يستطيع من خلالها خدمة الناس او لديه علاقات واسعة تمكنه من قضاء حوائج المؤمنين هو من التصرّفات التي نهت عنها الروايات الشريفة، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "من صار إلى أخيه المؤمن في حاجته أو مسلما فحجبه، لم يزل في لعنة الله إلى أن حضرته الوفاة".
لكن هناك اشخاص عاطلون عن العمل وهم يقدرون عليه فيطلبون حاجاتهم من الناس ويعتمدون على الآخرين في تسييرشؤون حياتهم
هناك شريحة من الناس تكثر من طلباتها وتلح في الطلب مرة واثنان وثلاثة وتتوقع تلبية طلباتها كما تريد هي .
هناك اشخاص يتوقعون من هذا او ذاك او من هذا المسؤول او ذاك من هذه الجهة او تلك ان تلبي كل طلباتهم مهما كانت.. في الوقت الذي قد لا يملك الشخص امكانية قضاء حاجته كما يريد هو او الجهة لا تستطيع ذلك فيأتي ويحتج ويقول معقول فلان لا يقدر؟!! معقول حزب الله ما بيقدر؟!! وهكذا .
نعم ليس كل شيء تتوقع ان فلانا او الجهة الفلانية تقدر عليه، معناه انها تقدر عليه بالفعل .
احيانا هناك خدمات لا يقدر عليها لا النائب ولا الوزير ولا الحزب ولا الحركة ولا التيارولا التنظيم، فاذا لم تتحقق المطالب فليس معنى ذلك بالضرورة ان يكون هناك تقصير.
التقصير في قضاء حوائج الناس وخدمة الإخوان يكون:
اولا: ان تكون الحاجة مقدورا عليها ، ومع ذلك يقصر ولا يخدم، لذلك العقاب والذم متوجه في الروايات لمن يتمنع من خدمة الناس وقضاء حوائجهم وهو قادر على ذلك، أما اذا لم يقدر او سعى ولم يوفق فهو معذور ولا ينبغي ان يلام.
هناك اشياء اكبر من ان يحققها ويلبها مسؤول او نائب او وزير بل هناك امور تعجز عنها جهات وحكومات ودول نتيجة ظروف معينة نعم على الجهة او الشخص ان لا ييأس وأن يسعى على الدوام لتحقيق مطالب الناس وحاجاتهم.
ثانيا: هناك اشخاص يتحولون الى اتكاليين خاصة في المطالب الشخصية والخاصة فيعتمدون على الآخرين لقضاء حاجاتهم لأنهم عاطلون عن العمل. لا يعملون ولا يسعون فيصبحون عبأ على الناس واذا لم تخدمه يقيم الدنيا ولا يقعدها كما في كالة بعض الأشخاص الذين يلحون على الحزب ان يؤمن اوضاعهم او يلحون على هذه المؤسسة او تلك ان تقضي كل حاجاتهم ويتوقعون منها ذلك. او يسأل هذا وذاك ويمد يده للناس باستمرار كما هو حال بعض الناس مع انهم قادرين على العمل
هذا ايضا غير صحيح.
الانسان يجب ان يعتمد على نفسه بالدرجة الأولى في قضاء حاجاته الشخصية وليس على اخرين على هذا وذاك او على هذه الجهة وتلك.,
الروايات أولت أهمية بالغة بمسألة الاعتماد على النفس عبرت عنها تارةً (بضرورة اليأس عما في أيدي الناس) وتارةً أخرى (بأن لا يكون الإنسان كَلاًّ على الآخرين)، أي، يعتمد على الغير في تحقيق مطالبه، بل عليه أن يبذل قصارى جهده في الوصول لأهدافه المرجوة من قِبَله. يقول الامام زين العابدين عليه السلام يقول: (رأيتُ الخير كلّه قد اجتمع في قَطعِ الطمع عمّا في أيدي الناس)أي لا يكون الإنسان مُتكِلاً على الآخرين في حاجاته، بل يعتمد على شخصه، وطبعا هذا لا يعني أنّ الانسان لا يطلب المساعدة من احد، فالناس مسخرون لبعضهم البعض، والغنى المطلق انما هو لله سبحانه وتعالى، ولكن لا بنحوٍ يكون هذه الاحتياج يُشكِّل عالةً وكلاًّ على الآخرين، بل يكون في ضمن الحدود المقننة، والأُطُر المعروفة.
وعن الإمام الصادق عليه السلام يقول :(اليأس مما في أيدي الناس عِزٌّ للمؤمن) ، أي، إنّ هذا النوع من اليأس يجعل الإنسان يشعر بالعزة،
كما ان الراويات تشير الى أنّ الانسان لا يمكن ان يشعر الإنسان بذاته على المستوى النفسي وان يتقدم ويتطور ويلبي حاجاته المعيشية كلها الا بالاعتماد على نفسه، يقول الإمام علي عليه السلام: (قدر الرجل على قدر همته) ، أي كلما كان اعتماده على نفسه أكبر كلما استطاع أن يُحقق ذاته بشكل أعظم،
ولكن مع ذلك على الانسان او الجهة ان لا تسأم او تشعر بالملل من طالب الحاجة والملح، بل يجب ان تتحلى بالصبر ، البعض يسأم وينزعج ويتزمر عندما تطلب منه شيئا ، ولكنّ البعض الآخر حتى لو تأتيه كثيراً تجده رحب الصدر، وحتى إذا لم يُرِد أن يحلّ لك قضية تجده بانشراح صدر يعتذر منك بلباقة وهذا ما يشير إليه لقمان في وصيته لابنه، فالإنسان ينبغي أن يكون عنده صبر في تحمل حاجات الآخرين، فإذا استطاع أن يسهم في حلها، وإلا اعتذر بنوع من اللباقة واللطف.
يقول لقمان في وصيته لإبنه:(يا بُنيّ ألزم نفسك التؤدة في أمورك)أي، أولاً عليك بالتأني، والتفكير في عواقب الأمور، (وصبّر على مؤونات الأخوان نفسك) اي ثانيا اصبر على حاجات اخوانك (فإن أردت أن تجمع عز الدنيا فاقطع طمعك عمّا في أيدي الناس) فإذا أردت أن تصل إلى الخير في أمورك الدنيوية فاجعل نفسك مستقلاً في شخصك معتمداً على ذاتك، (فإنما بلغ الأنبياء والصديقون ما بلغوا بقطع طمعهم عمّا في أيدي الناس).