الحديث الرمضاني(16) افشاء العيوب والاسرار
على المشرحة فيعدد صفاته السيئة, وربما إختلق له صفات ليست فيه ويحصي عليه كل قول مسيء أو خطأ إرتكبه وإن كان ذلك قد وقع منه قبل سنين , من أجل ان يسقطه من أعين الناس, وإذا قيل له: انَّ ذلك من الغيبة والإستنقاص والإساءة للآخرين قال: كلا، هذا نقد بنَّاء، أو أنا أقيم هذا الشخص..
إنَّ مثل هذا السلوك المشين حذَّر منه أهل البيت (عليهم السلام) حيث ورد عن الإمام الصادق (ع) انَّه قال: "أبعد ما يكون العبد من الله –والعبد يحرص أن يكون أقرب ما يكون من الله في حين أنه إذا اتصف بهذه الصفة التي سيذكرها الإمام يكون أبعد ما يكون عن الله عزوجل -أن يكون الرجل يواخي الرجل وهو يحفظ عليه زلاته ليعيِّره بها يوما ما" هذا من أسوأ التصرفات التي يمكن أن يقوم بها الانسان.
ومن يعمل على فضح الناس بعيوبهم فان الله يفضحه بعيوبه ولو كان في جوف بيته, فعن النبي(ص) انه قال: "من كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته".
ويقول الإمام عليٌّ (ع) فيما يُروى عنه: "من تتبَّع عورات الناس كشف الله عورته".
ويقول(ع) "من بحث عن أسرار غيره أظهر الله أسراره".
بعض الناس يفشي عيوبٍا لآخرين وهو لا يعلم بأنَّها قد صدرت عنهم وإنَّما يظنُّ ذلك ظناً، يستند في ذلك الى الحدس والتخمين أو الأخبار التي يسمعها من هنا وهناك، أو ما يتداوله الناس عبر وسائل الاعلام او عبر وسائل التواصل الاجتماعي, فهي أخبار ظنيَّة قد تكون صادقة وقد تكون كاذبة, وإن كانت صادقة قد تكون مصحوبة بالتهويل والمبالغة, إلا انَّه برغم ذلك وبرغم ظنيَّة الأخبار التي يسمعها عن هذا المؤمن أوذاك, فإنَّه يتناولها وكانَّها أخبار قطعيَّة يقينية لا شك في صدقها.
ولو فرضنا انَّ ما نقل عن شخص في بعض الأحيان كان يقينا إلا انَّ اليقين بصدوره لا يعني اليقين بأنَّه كان متعمداً أو لم يكن له مبررٌ دفعه للوقوع في الفعل المنقول عنه، فغالب الناس لا تُفكر في المبرِّرات ولا تلتمس لغيرها الأعذار ولا تحمل ما يفعله غيرها على محامل الخير, بل تُبادر للتشنيع والتقريع والإفشاء رغم انَّ مَن صدر منه الذنب قد يكون معذوراً أو يكون قد وقع في شبهةٍ ثم انتبها اليها أو يكون ما ارتكبه كان خطأً عابراً ندم عليه وتاب منه، كل ذلك لا يغفر له عند الناس, بل تظلُّ الناس تلاحقه بخطيئته التي ربما لم يكن قد إرتكبها أو انَّه ارتكبها ثم تاب منها.
عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "اطلب لأخيك عذراً، فإن لم تجد له عذراً، فالتمس له عذرًا".
وروي عن السيد المسيح (ع) انه قال وهو يخاطب بني إسرائيل: يا عبيد السوء تلومون الناس على الظن ولا تلومون أنفسكم على اليقين؟"
فالكثير من الناس يقعون في أعراض غيرهم ويشنِّعون عليهم رغم انَّ العيوب التي يُشنعِّون بها عليهم ليس من المؤكد إتصافهم بها أو صدورها عنهم, بينما يغفلون عن أنفسهم رغم انَّ ما يصدر عنهم من أخطاء معلوم عندهم علم يقين, فهم يدركون ما يرتكبونه من أخطاء ويعرفونها جيداً, لكنهم يغضون الطرف عنها. مثل هؤلاء سيئون لأنَّهم يحاسبون غيرهم على الظنون ويغضُّون الطرف عن أخطائهم التي يُحرزون يقيناً انَّهم قد ارتكبوها.
اذن افشاء العيوب في كل هذه الحالات امر مشين وغير مقبول، وعلى الانسان بدلا من ان يتحدث عن مساوىء الناس ان يتذكر عيوبه اولاً وبدل من ان يشغل نفسه بالناس والقيل والقال عليه ان يرى اعماله ويقوم بتحسينها فان اصلاح الدار اوجب من انتقاد الجار.
عن الامام علي عليه السلام (يا ايها الناس طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس وطوبى لمن لزم بيته واكل قوته واشتغل بطاعة ربه وبكى على خطيئته وكان من نفسه في شغل والناس منه في راحة وأجتناب الفساد في الارض.
فعلى الانسان أن يتأمَّل بعيوب نفسه قبل ان يعمل على افشاء عيوب غيره ، فإذا تأمل عيوب نفسه فإنَّه سيشتغل بها عن عيوب الآخرين، ولذلك ينبغي للإنسان العاقل أن يرجع إلى ذاته فيتأمل أخطاءها وعيوبها ونقائصها حيننئذٍ سيجد نفسه مبتلى بالكثير من العيوب, ولذلك لن يكشف عيوب الآخرين وهو مبتلى بنفس هذه العيوب أو بما يضاهيها. وكما يحب ان تُستر عيوبه لابد من ان يستر عيوب الاخرين