الحديث الرمضاني(4) الأخوة الإيمانية وأصناف الأخوان
والاخوة على اساس الايمان هي أوثق من كل الروابط الأخرى هي أقوى من روابط النسب والعرق واللون والمواطنة والقومية والنضال والحزبية وغيرها من الروابط،هي اعمق من ذلك بكثير انها تقوم على منظومة من القيم الإيمانية والرساليةوالأخلاقية التي جاء بها الاسلام والتي يفرضها الايمان.
نجد الغرب مثلا اختار مبدأ المواطنة لبيان العلاقة بين أبنائه انطلاقا من فكرة تقديس الأرض وربط الناس بها وبالمصالح المشتركة التيتجمع بين البشر ، وحينما انتخب بعض الشرق كلمة "الرفيق" فقد اعتمد على دور المسيرة النضالية في علاقاته الاجتماعية. أمّا الإسلام فقد اختار لنا كلمة "الأخ" لنعلم أنّ صلتنا ببعضنا ليست مادّية قائمة على أساس تقديس الأرض والمصالح، كما أنّها لا تخصّ حالة النضال والانتماءالى المسيرة، وإنّما هي مبدئية ناشئة من صلة كل واحد منّا بدينه، حتى ليصبح الدين كالأب الذي هو أصل وجود الابن، وكلّما قويت واشتدّت صلتنا بالأصل كلّما قويت وتنامت صلتنا ببعضنا. فكأن الايمان هو الأب ونحن ابناؤه والأبناء هم الاخوة الذين يجمعهم الدين والايمان هذا وجه الاخوة.وهناك وجه آخر لأخوة المؤمنين هو انتسابهم إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وعلي الوصيّ عليه السلام فقد ورد أنّه صلى الله عليه وآله وسلم قال: "يا علي، أنت أخي، وأنا أخوك، أنا المصطفى للنبوة، وأنت المجتبى للإمامة، وأنا صاحب التنزيل، وأنت صاحب التأويل، وأنا وأنت أبوا هذه الأمة..."8.
فالأخوّة التي يريدها الاسلام هي أخوة الايمان، التي تستند الى الدين والى رسول الله محمد ووصيه علي (ع) وهي أعلى مراتب الأخوة، الاخوة التي تجعل المؤمنين جسدا واحدا، و تجعل الأخ يتحد بأخيه اتحاداً تاماً، بحيث تصبح يد أحدهما يد الآخر، وعزّ أحدهما عزّ الآخر وكرامة احدهما كرامة الآخر. والم احدهما الم للاخر وهكذا.. وهذا الشعور وهذه الآثار لا تستلزمها اي اخوة من نوع اخر كاخوة الخلق او القرابة او الاخوة الحزبية او ما شاكل.
يقول الامام الصادقعليه السلام يَقُولُ "الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِنِ اشْتَكَى شَيْئاً مِنْه - وَجَدَ أَلَمَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ جَسَدِه وأَرْوَاحُهُمَا مِنْ رُوحٍ وَاحِدَةٍ وإِنَّ رُوحَ الْمُؤْمِنِ لأَشَدُّ اتِّصَالاً بِرُوحِ الله مِنِ اتِّصَالِ شُعَاعِ الشَّمْسِ بِهَا"12.
وعنه ايضا عليه السلام: "الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ عَيْنُه ودَلِيلُه لَا يَخُونُه ولَا يَظْلِمُه ولَا يَغُشُّه ولَا يَعِدُه عِدَةًفَيُخْلِفَه"13.
ولذلك في الاطار العام: ينبغي ان تكون علاقة المسلمين فيما بينهم متينة وقوية على اساس الأخوة الإيمانية والإسلامية ، فيقول تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾4.
ويقول سبحانه: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾5.
ولذلك هذة الأخوة تقتضي الوحدة والتعاون والاهتمام بشؤون المسلمين وأوضاعهم وأمورهم على قاعدة من لا يهتم بأمر بالمسلمين فليس منهم. وأيضا على قاعدة: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسْلِمْهُ"6. و"مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"7.
وَعَنْ أبي عَبْدِاللهِ عليه السلام قالَ: "يَحِقُّ عَلَى المُسْلِمِينَ الاجتهاد فِي التواصُلِ وَالتَّعاوُنَ عَلَى التَّعاطُفِ وَالمُواسَاةِ لأَهْلِ الحاجَةِ وَتَعاطُفِ بَعْضِهِمْ عَلى بَعْضٍ حَتَّى تَكُونُوا كَما أمَرَكُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿رُحَماءُ بَيْنَهُمْ...﴾.
ومن مجموع هذه الآيات والروايات نجد أنّ الاسلام قد نظر إلى المسلمين كالجسد الواحد، وأكّد على التوادّ والتراحم فيما بينهم، وشدّ عرى الأخوّة فيما بينهم، ونهى عن التنافر والتفرّق والخلاف.
وفي اطار العلاقات الخاصّة: حثّ الإسلام على اكتساب الإخوان، وجعل ذلك من الفضائل الّتي ينبغي لكلّ مؤمن أن يتحلّى بها.
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "استكثروا من الإخوان فإنّ لكلِّ مؤمن شفاعة يوم القيامة".
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من استفاد أخاً في الله عزّ وجلّ استفاد بيتاً في الجنّة".
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "أعجز النّاس من عجز عن اكتساب الإخوان، وأعجز منه من ضيّع من ظفر به منهم".
وعن لقمان "يا بُنيّ، لا تعدُ بعد تقوى الله من أن تتخذ صاحباً صالحاً".
وعنه أيضاً: "يا بُنيّ، الصاحب الصالح خيرٌ من الوحدة".
أصناف الإخوان
إذا عرفنا أهميّة اتخاذ الإخوة، لا بُدّ لنا من معرفة أصنافهم، إذ هم ليسوا على مرتبة واحدة، فكما يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "الإخوان صنفان: إخوان الثقة وإخوان المكاشرة،. فأمّا إخوان الثقة- فيعرفون بالاصلاح اي يكاشف الأخ اخيه بعيوبه ولا يداهنه ويعمل على هدايته واكذلك يخلص له فلا يظهر له خلاف ما يضمره اتجاهه- فإذا كنت من أخيك على حدِّ الثقة، فابذل له مالك وبدنك، وصاف من صافاه وعاد من عاداه، واكتم سرّه وعيبه، وأظهر منه الحسن، واعلم أيُّها السائل أنّهم أقلّ من الكبريت الأحمر، وأمّا إخوان المكاشرة، فإنّك تُصيب لذّتك منهم، فلا تقطعنّ ذلك منهم، ولا تطلبنّ ما وراء ذلك من ضميرهم وابذل ما بذلوا لك من طلاقة الوجه وحلاوة اللسان".
فعلى الإنسان أن يكون حذراً في تشخيص الإخوان وتصنيفهم، وذلك باختبارهم قبل اتخاذهم إخواناً.
فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "قدّم الاختبار في اتخاذ الإخوان فإنّ الاختبار يُفرّق بين الأخيار والأشرار".
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "اختبروا إخوانكم بخصلتين فإن كانتا فيهم وإلّا فاعزب ثمّ اعزب ثمّ اعزب؛ محافظة على الصلوات في مواقيتها، والبرّ بالإخوان في العسر واليسر".
وقال لقمان: "ثلاثة لا يُعرفون إلّا في ثلاثة مواضع: لا يُعرف الحليم إلّا عند الغضب، ولا يُعرف الشجاع إلّا في الحرب، ولا تعرف أخاك إلّا عند حاجتك إليه".
وعنه قائلاً لابنه: "يا بُنيّ، إذا أردت أن تُوآخي رجلاً فأغضبه قبل ذلك، فإن أنصفك عند غضبه وإلّا فاحذره".