الحديث الرمضاني(1) ذكر الله والإحساس الدائم بحضوره
﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً﴾.
﴿وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾.
ماذا يعني ذكر الله؟
ذكر الله يعني التوجّه إلى الله والإحساس الدائم بحضور الله وبرقابته ومشاهدته لكل أعمالنا وتصرفاتنا وخطواتنا في الحياة.
ليس ذكر الله تعالى باللسان فقط، بل هو ان يتوجه الانسان بكلِّ وجوده وكيانه الى الله وأن يشعر بحضوره ورقابته وإحاطته بكلِّ أعماله ووجوده، ممّا ينعكس على سلوكه وعمله وأخلاقه بحيث يبعده عن الحرام ويقربه من الطاعة.
ففي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير معنى ذكر الله: "مِن أشدّ ما فرض الله مع خلقه ذكر الله كثيراً، ثمّ قال: لا أعني سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر، وإن كان منه، ولكن ذكر الله عندما أحلّ وحرّم، فإن كان طاعة عمل بها، وإن كان معصية تركها".
وبناءا عليه يكون للذكر ثلاث مراتب:
أ ـ الذكر اللساني.
ب ـ الذكر القلبي.
ج ـ الذكر العملي وهو ذكر الله عند الطاعة والمعصية، فإن كان طاعة عمل بها، وإن كان معصية تركها.
الذكر باللسان:
وهو ان تذكر الله بلسانك، ان تسبحه وتمجده وتعظمهوتقول سبحان الله والحمد لله وما شابه ذلك وهذا المعنى لا حد له بل هو مفتوح وواسع ويمكن للانسان ان يلهج لسانه دائما وفي كل وقت بذكر الله وباسمائه وصفاته، ومن ذكر الله قراءة القرآن وقراءة الأدعية وخصوصا في هذا الشهر المبارك.
ففي الروايات : أنّ لكلّ شيء حدّاً، إلاّ ذكر الله فإنّه لا حدّ له!
يقول الإمام الصادق (عليه السلام) : ما من شيء إلاّ وله حدّ ينتهي إليه، إلاّ الذكر فليس له حدّ ينتهي إليه، فرض الله عزّوجلّ الفرائض، فمن أدّاهنّ فهو حدّهنّ، وشهر رمضان فمن صامه فهو، والحجّ فمن حجّ حدّه، إلاّ الذكر، فإنّ الله عزّوجلّ لم يرض منه بالقليل، ولم يجعل له حدّاً ينتهي إليه، ثمّ تلا: ياأيّها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبّحوه بكرةً وأصيلا.
ثم يقول الإمام الصادق (عليه السلام): وكان أبي كثير الذكر، لقد كنت أمشي معه وإنّه ليذكر الله، وآكل معه الطعام وإنّه ليذكر الله، ولقد كان يحدث القوم وما يشغله ذلك عن ذكر الله.وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس ويأمر بالقراءة من كان يقرأ منا، ومن كان لا يقرأ منا أمره بالذكر، والبيت الذي يقرأ فيه القرآن، ويذكر الله عزّوجلّ فيه تكثر بركته، وتحضره الملائكة، وتهجره الشياطين، ويضيء لأهل السماء كما يضيء الكوكب الدرّي لأهل الأرض، والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن ولا يذكر الله فيه يقل بركته ويهجره الملائكة ويحضره الشياطين.
ولذلك بيوت المؤمنين يجب ان تكون عامرة بذكر الله وقراءة القرآن، وعلى الآباء والأمهات ان يربوا ابنائهم على ذلك كما كان يفعل الامام الباقر(ع) وسائر الأئمة (ع) مع اولادهم.
ولأهميّة «ذكر الله» فقد عدّ في حديث يعدل خير الدنيا والآخرة، فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: من اُعطي لساناً ذاكراً فقد اُعطي خير الدنيا والآخرة.
وقد فسّرت بعض الرّوايات( الذكر الكثير) في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً ﴾. بتسبيح فاطمة (عليها السلام) ـ وهو 34 مرّة (الله أكبر) و33 مرّة (الحمد لله) و33 مرّة (سبحان الله، وفي روايات أخرى: الذكر الكثير هو أن تقول ثلاثين مرة في اليوم سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر، وفي كلمات بعض المفسّرين هو ذكر الصفات العليا والأسماء الحسنى، وتنزيه الله سبحانه عمّا لا يليق به، وهذا كله من باب التفسير بالمصداق لا تحديد الذكر بخصوصما ورد.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: من ذكر الله في السر فقد ذكر الله كثيرا، ان المنافقين كانوا يذكرون الله علانية ولا يذكرونه في السر فقال الله عز وجل: ( ان المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم واذا قاموا للصلاة قاموا كسالى يراؤن الناس ولا يذكرون الله الا قليلا.
الذكر القلبي:
وهو ان يتوجه الانسان بكل أعماله الى الله مخلصا له، ان يخلص له النية وان يرسل العمل له وحده حتى الأعمال غير العبادية عندما يقوم بها الانسان بنية التقرب الى الله ويخلص فيها لله فانها تصبح لها قيمة. الذكر القلبي ان لا يتوجه قلب الانسان الا الى الله وحده.
الذكر العملي:
بأن يقف الانسان عند أي عمل يريد القيام به ليرى هل هو حرام ام حلال فان كان حراما ابتعد عنه وشعر بضورالله ووجوده لان الكثيرين امام الشهوات والملذات والاهواء يغفلون عن وجود الله ورقابته عليهم ويستغرقون في المعاصي في الغيبة والنميمة والكذب والظلم والاعتداء على حقوق الاخرين وهكذا، اما من يشعر بحضور الله ويذكر الله عندما يريد ان يخطو اي خطوة وعندما يريد ان يقوم باي عمل فانه يبتعد عن المعصية ولا يقع فيها لانه يخاف الله ولانه يشعر بحضور الله.
الذكر العملي ان يذكر الانسان ربه عند كل عمل وخطوة وتصرف، ان يذكره أثناء العبادة، وعندما تلوح امامه المعصية ليتجنّبها، ويذكره عند النعم ليشكره عليها، ويذكره عند البلايا والمصائب ليصبر عليها ويتحمّلها.
والخلاصة: الذكر العملي ان لا ننسى ذكره عند كل عمل وفي كلّ مشهد من مشاهد الحياة والإبتعاد عن سخطه، والتقرّب لما يجلب رضاه.
1- رمضان-1439