المباهلة والتأسيس للحوار الديني
الشيخ دعموش في خطبة الجمعة 23-9-2016 منوهاً بإنجاز الجيش:التصدي للجماعات الارهابية هو واجب وطني على الجميع.
خلاصة الخطبة
أكد سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة : أن الخلاف في الرأي على قضايا فكرية أو سياسية أو وطنية لا ينبغي أن يؤدي الى الحقد والعداوة والبغضاء والحرب بين الناس، وإنما ينبغي أن يفرض الحوار والتفاهم.
واعتبر: أنه في ظل الأزمة السياسية في البلد والإنقسام حول كثير من القضايا الوطنية, يصبح الحوار واجباً وطنياً, خصوصاً وأن لبنان لا يزال في دائرة استهداف الجماعات التكفيرية الإرهابية التي لم تكف عن السعي للقيام بتفجيرات في كل المناطق اللبنانية.
ونوه: بالإنجاز الجديد للجيش اللبناني, الذي تمكن من القاء القبض على أحد رؤوس داعش وكشف المشروع الدموي الذي كان يخطط له في لبنان, مشيراً: الى أن هذا الإنجاز الجديد بقدر ما يبعث على الإطمئنان لجهة تنبه ويقظة الجيش والأجهزة الأمنية لما تحيكه الجماعات الإرهابية ضد لبنان, فهو يكشف عن مدى إصرار هذه الجماعات الارهابية للتفجير في لبنان, مما يحتم على الجميع االمزيد من اليقظة والتصدي لخطر هذه المجموعات التي تتخذ من بعض المناطق في لبنان بؤراً لها, باعتبار أن التصدي لها هو واجب وطني على الجميع.
ولفت: الى أن المقاومة الاسلامية في لبنان كانت ولا تزال وستبقى جاهزة للدفاع عن لبنان وشعبه، وهي تساند الجيش والمؤسسات الامنية والعسكرية في التصدي للخلايا الارهابية.
ورأى: ان الارهاب التكفيري الذي يتلقى دعماً وتمويلاً من مصادر معروفة في منطقتنا, ولا سيما من السعودية التي ترعى الجماعات الإرهابية سياسياً واعلامياً وتسليحياً ومادياً, انما يخدم مشروع تفتيت المنطقة وتدميرها وإضعاف شعوبها.. وليس أدَّل على ذلك من تجنب هذه الجماعات ورعاتها استهداف العدو الصهيوني الغاصب, في داخل فلسطين المحتلة وخارجها, مقابل إصرارهم على القتل والتدمير في البلدان والاوساط الشعبية الرافضة للاحتلال, والمُقَاوِمَة لمشروعه العدواني.
نص الخطبة
يقول الله سبحانه وتعالى وهو يحدثنا عن قضية المباهلة: ]فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}[آل عمران: 61]
في اليوم الرابع والعشرين من شهر ذي الحجة في السنة العاشرة للهجرة وقيل في السنة التاسعة كان يوم المباهلة، وهو اليوم الذي دعى فيه النبي(ص) وفد نصارى نجران الى الحوار والمباهلة لإثبات أحقية الاسلام.
والمباهلة تعني الملاعنة, بأن يقف الطرفان المختلفان حول العقيدة عندما يصلان الى طريق مسدود في الحوار -أن يقفا-أمام الله سبحانه وتعالى ليدعواه ويبتهلا إليه أن يجعل لعنته على الكاذب منهما، ومن المعروف في تجربة المباهلة أن الله تعالى يُنـزل العذاب على الكاذبين.
هذا ما جرى مع النبي(ص) في السنة العاشرة للهجرة، حيث وفد على النبي(ص) بعد الانتصارات التي حققها على المشركين واليهود وبعد فتح مكة وقبلها فتح خيبر, وفدٌ من نصارى نجران، ونجران هي منطقة تقع في جنوب غرب الحجاز (السعودية) على الحدود مع اليم, وكانت وفود العرب تأتي إلى المدينة في تلك المرحلة للإعلان عن انضمامها إلى الاسلام، فكان من بين تلك الوفود وفد نصارى نجران، وهؤلاء جاؤوا ليحاوروا وليجادلوا النبي(ص) في الإسلام، وفي شخصية السيد المسيح(ع)، فاستقبلهم النبي(ص) بكل حفاوة، وأنزلهم في مسجده، لأن النبي(ص) لم يكن لديه مكان للاستقبال، بل كان يستقبل الناس في المسجد، ويظهر ان النبي(ص) كان يستقبل الكفار والمشركين في مكان ملحق بالمسجد وليس في مكان الصلاة, لأن مكان الصلاة في المسجد لا يجوز أن يدخله كافر أو مشرك, وبالتالي فإننا نرجح أن يكون النبي(ص) قد استقبلهم في باحة المسجد وليس في مسجد الصلاة, لأن كلمة المسجد تطلق على مكان الصلاة وتطلق أيضاً على الباحات والأماكن الملحقة بالمسجد فيقال للجميع مسجد, كما عندما يقال مثلا: استقبلنا الشيخ في مسجد السيدة زينب, فليس بالضرورة أن يكون الشيخ قد استقبلهم في مكان الصلاة, وإنما قد يكون قد استقبلهم في المكتب او في القاعة او في بهو المسجد وباحته أو في مكان ملحق به, لأن هذا كله يطلق عليه مسجد السيدة زينب, ولذلك لا يصح الاستدلال بهذه الواقعة (ما جرى مع وفد نصارى نجران في المباهلة) على جواز دخول المشركين والكافرين الى مسجد الصلاة, لأن دخول نصارى نجران ليس بالضرورة أن يكون الى مسجد الصلاة, بل قد يكون الى باحة المسجد الملحقة به.. حيث إن الأرجح أن النبي(ص) كان يستقبل الوفود غير المسلمة في تلك الباحات الملحقة بمسجد الصلاة.
وعلى أي حال فإن وفد النصارى بعد أن دخل المسجد وحان وقت صلاتهم, أقبلوا يضربون النّاقوس وصلّوا صلاتهم، فقال أصحاب الرّسول(ص): يا رسول الله، هذا في مسجدك؟ فقال: دعوهم. فلمّا فرغوا، اقتربوا من رسول الله(ص)، فقالوا: إلى ما تدعو؟ فقال(ص): إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأنّي رسول الله، وأنّ عيسى عبد مخلوق، يأكل ويشرب ويحدّث، قالوا: فمن أبوه؟ فنزل الوحي على رسول الله(ص)، فقال: قل لهم ما تقولون في آدم، أكان عبداً مخلوقاً يأكل ويشرب ويحدّث .. ؟ فسألهم النبيّ(ص)، فقالوا: نعم، قال(ص): فمن أبوه؟ فبهتوا، فأنزل الله: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ, الحق من ربك فلا تكن من الممترين, فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ[ آل عمران: 59-61 فقال رسول الله(ص): فباهلوني، فإن كنت صادقاً أنزلت اللّعنة عليكم، وإن كنت كاذباً أنزلت عليَّ، فقالوا: أنصفت. وقبلوا بمبدأ المباهلة, فتواعدوا للمباهلة، فلما رجعوا إلى منازلهم، قال رؤساؤهم، السيّد والعاقب والأهتم: إن باهلنا بقومه باهلناه، فإنّه ليس نبيّاً، وإن باهلنا بأهل بيته خاصّةً لم نباهله، فإنّه لا يقدّم أهل بيته إلا وهو صادق.
فلما أصبحوا، جاؤوا إلى رسول الله(ص) وجاء النبي(ص) وعليه كساء أسود وقد احتضن الحسن والحسين (عليهما السلام)، وعليّ وفاطمة (عليهما السلام) يسيران خلفه، وهو يقول: «إذا دعوت فأمّنوا» ـ قولوا آمين ـ حتى يعرفوا من خلال المعجزة الإلهية من هو الكاذب ومن هو الصادق، فعندما رأى الوفد الذين جاء بهم النبي(ص) سأل من هؤلاء؟، فقيل له: هذه ابنته, وهذا ابن عمه وصهره، وهذان ولداه، فالتفت الرئيس الديني إلى الوفد وقال: «يا معشر النصارى، إني لأرى وجوهاً لو دعت الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله، فلا تباهلوا فتهلكوا»، لأنهم أيقنوا أن النبي(ص) لو لم يكن واثقاً من صدقه في الدعوة، لما جاء بأحبّ الناس إليه؛ ابنته وابناها وصهره وابن عمه، والنبي(ص) عندما يقدّم من يحبّ في موقعٍ من أخطر المواقع بين يدي الله، فإنه لا ينطلق في حبّه عن هوى، وإنما ينطلق من إيمانه بأن هؤلاء هم المقرّبون إلى الله، وأن الله تعالى سوف يستجيب لهم ما هم فيه. فقالوا لرسول الله(ص): نعطيك الرّضا، فاعفنا من المباهلة. فصالحهم رسول الله(ص) على الجزية وانصرفوا...
ويقول فخر الدين الرازي في تفسيره في آية المباهلة: «إنّ النبي عندما خرج في المرط الأسود، فجاء الحسن فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله، ثم فاطمة ثم عليّ، ثم قال النبي(ص): {إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً}، وهذا يؤكد قيمة أهل البيت(ع) عند الله، ويؤكد عصمتهم، لأن الله تعالى هو الذي تكفّل بطهارتهم عن كل خطيئة وكل خطأ، وأذهب عنهم كل رجس.
إننا نستفيد من هذه القضية :
أولاً: عظمة أهل البيت (ع) وفضلهم ومكانتهم وقيمتهم عند الله سبحانه, حيث قدمهم معه في هذه القضية الحساسة التي ترتبط بجوهر الدين بالرغم من وجود آخرين بالقرب من النبي(ص) من مجاهدين وصحابة كبار وأقرباء وأزواج وآخرين , فلم يأخذ النبي(ص) معه للمباهلة أحد من اؤلئك المجاهدين الكبار الذين قدموا تضحيات كبيرة في سبيل الله ولحماية الاسلام, كما لم يختر أحداً من زوجاته أو أعمامه أو عماته, وإنما اختار أهل بيته: علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) حيث اتفق المفسرون على أن المقصود من كلمةَ (أبْنَاءنَا) هما الحسن والحسين ومن كلمة (َنِسَاءنَا) فاطمة ومن كلمة (َأَنفُسَنَا) علي(ع) في قوله تعالى:( فقل تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) وهذا يدل على مكانة ومنزلة هؤلاء العظماء عند الله ومدى قربهم من الله, بحيث لا يضاهيهم أحد في ذلك.
وثانياً: أهميّة اتباع الأسلوب الحواريّ الهادئ حول القضايا التي قد يختلف فيها الناس, سواء كانت قضايا دّينيّة وعقائديّة أو قضايا سياسية أو غير سياسية، فالاسلام لا يمانع من الحوار مع الآخرين حتى في قضايا العقيدة والدين فضلاً عن القضايا الأخرى العامة السياسية وغيرها مما يتعلق بحياة الناس وشؤونهم ، الحوار الذي يقوم على أساس المنطق والبرهان والحجة وليس الإدعاءات الفارغة, ولذلك يقول الله تعالى: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون}.
وهذا هو المنهج الإسلامي مع أهل الكتاب ومع كل الناس، المنهج المنطلق من الحجة والبرهان والإعتراف بالآخر .
وهذا ما يجب أن يحصل عند كل خلاف، سواء كان خلافاً بين المسلمين وأهل الكتاب، أو بين المسلمين والمشركين، أو بين المسلمين والملحدين، أو بين المسلمين أنفسهم عندما يختلفون مذهبياً أو فكرياً أو سياسياً، لأن الله تعالى دعا إلى الحوار والنقاش في كل خلاف يحصل بين الناس أياً كان نوع الخلاف بينهم، وهذا ما أكد عليه القرآن في قوله تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين}، وقوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول}.
الخلاف في الرأي على قضايا فكرية أو سياسية أو وطنية لا ينبغي أن يؤدي الى الحقد والعداوة والبغضاء والحرب بين الناس، وإنما ينبغي أن يفرض الحوار والتفاهم بين الناس.
ولذلك في ظل الأزمة السياسية في البلد والإنقسام والتباين السياسي بين الأطراف السياسية حول كثير من القضايا الوطنية, يصبح الحوار واجباً وطنياً في هذه المرحلة الصعبة, خصوصاً وأن لبنان لا يزال في دائرة استهداف الجماعات التكفيرية الإرهابية التي لم تكف عن السعي للقيام بتفجيرات في كل المناطق اللبنانية, وفي هذا السياق ننوه بالإنجاز الجديد للجيش اللبناني, الذي تمكن من القاء القبض على أحد رؤوس داعش وكشف المشروع الدموي الذي كان يخطط له في لبنان.
إن هذا الإنجاز الجديد للجيش اللبناني بقدر ما يبعث على الإطمئنان لجهة تنبه ويقظة الجيش والأجهزة الأمنية لما تحيكه الجماعات الإرهابية ضد لبنان, فهو يكشف عن مدى إصرار هذه الجماعات الارهابية للتفجير في لبنان مما يحتم على الجميع االمزيد من اليقظة والتصدي لخطر هذه المجموعات التي تتخذ من بعض المناطق في لبنان بؤراً لها, باعتبار أن التصدي لها هو واجب وطني على الجميع.
والمقاومة الاسلامية دوماً كانت ولا تزال وستبقى جاهزة للدفاع عن لبنان وشعبه، وهي تساند الجيش والمؤسسات الامنية والعسكرية في هذا الامر.
ان الارهاب التكفيري الذي يتلقى دعماً وتمويلاً من مصادر معروفة في منطقتنا, لا سيما من السعودية التي ترعى الجماعات الإرهابية سياسياً واعلامياً وتسليحياً ومادياً, انما يخدم مشروع تفتيت المنطقة وتدميرها وإضعاف شعوبها.. وليس أدَّل على ذلك من تجنب هذه الجماعات ورعاتها استهداف العدو الصهيوني الغاصب, في داخل فلسطين المحتلة وخارجها, مقابل إصرارهم على القتل والتدمير في البلدان والاوساط الشعبية الرافضة للاحتلال, والمُقَاوِمَة لمشروعه العدواني.
والحمد لله رب العالمين