علي (ع) أول الناس إسلاماً (15)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا وشفيع ذنوبنا أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين.
قلنا إن رسول الله (ص) بعث بالإسلام في السابع والعشرين من شهر رجب بعد عام الفيل بأربعين عاماً، وهو في غار حِرَاء، المكانِ الذي كان يعبد الله فيه في مكة، وإن نزول الوحي عليه قد بدأ من ذلك اليوم نفسِهِ بواسطة جبرائيلَ الأمين (ع).
وقد انتشر خبر نبوة النبي(ص) ونزول الوحي عليه في البداية في وسط محدود جداً نظراً للسرية التي اتبعها النبي(ص) في المراحل الأولى من دعوته، وقد بادر عدد من الذين وصلهم خبرُ البعثة إلى تصديق النبي(ص) والإيمان برسالته، ويُوصف الذين بادروا إلى تصديق النبي(ص) والإيمان بالإسلام قبل غيرهم بـ"السابقين".
وقد كان السبق إلى الإسلام امتيازاً ومعياراً للفضل، ولهذا يجب أن ندرس هذا الموضوع لنتعرف إلى من سبق الآخرين إلى الإيمان بالرسالة، أي من كان أول الناس إسلاماً وإيماناً من الرجال والنساء.
لقد اتفق المؤرخون والمحدثون على أن علي بن أبي طالب (ع) هو أولُ الناس إسلاماً وإيماناً وتصديقاً برسول الله محمد (ص)، وكان عمره حين إسلامه عشرَ سنوات أو اثنتي عشرة سنة.
وقد ورد في بعض النصوص الصحيحة أن النبي(ص) بعث يومَ الاثنين، وأن علياً أسلم وصلى معه يومَ الثلاثاء.
وقد أورد العلامة الأميني في كتابه القيم الغدير في الجزء الثالث وفي الجزء العاشر أقوالاً عن العشرات من كبار الصحابة والتابعين وغيرهم من العلماء، وعن العشرات من المصادر الإسلامية الشيعية والسنية تؤيد وتؤكد أن أمير المؤمنين عليَ بنَ أبي طالب (ع) هو أولُ الأمة قاطبة إسلاماً وإيماناً وتصديقاَ بنبوة النبي(ص)
ومن هؤلاء الصحابة، الإمامُ عليٌ نفسُهُ والإمامُ الحسن، وعمرُ بنُ الخطاب، وسلمانُ الفارسي وأنسُ بنُ مالك وابنُ عباس، وأبو ذر الغفاري، والمقدادُ بنُ عمرو وجابرُ بنُ عبد الله الأنصاري، وأبو سعيد الخدري، وحذيفةُ بنُ اليمان، وعبدُ الله بنُ مسعود وغيرُهم بالعشرات.
وقد روى الحاكم النيشابوري في كتابه (المستدرك على الصحيحين) في الجزء الثالث/ص136 بسند صحيح عن النبي الأعظم (ص) أنه قال: أولكم وروداً علىَّ الحوض أولكم إسلاماً عليُ بنُ أبي طالب.
وفي مسند أحمد أن النبي(ص) قال: علي بن أبي طالب أول أصحابي إسلاماً.
وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : أن النبي(ص) أخذ بيد علي(ع) وقال: هذا أول من آمن بي وصدقني وصلى معي.
وعلي نفسه يصرح في كثير من المناسبات بذلك فيقول عن نفسه: إنه لم يسبقه أحد في الصلاة مع رسول الله(ص)، وإنه أول من أسلم، وإنه الصديق الأكبر، وإنه لا يعرف أحداً في هذه الأمة عبد الله قبله غيرَ النبي (ص)، وإنه صلى قبل أن يصلي الناس سبعَ سنين.
أضف إلى ذلك أن علياً احتج على خصومه السياسيين في أكثرَ من مناسبة بأنه أولُ من أسلم وآمن وصدق برسول الله(ص)، كما أن أصحابه من الصحابة والتابعين احتجوا على خصومهم في معركة صفين وغيرها، بأن إمامهم عليَ بنَ أبي طالب(ع) كان أولُ الناس إسلاماً، ولم نجد أحداً من أعدائه وخصومه حاول إنكار ذلك أو التشكيكَ فيه أو طرحَ اسمِ رجل آخر على أنه صاحبُ هذه الفضيلة دون علي(ع) بالرغم من توافر الدواعي والمقتضيات السياسية وغيرِها لطرح اسمٍ بديل عن علي(ع) في هذه القضية.
إن احتجاج علي (ع) واحتجاج أصحابه على خصومهم بأنه أولُ من أسلم دون أن يجرؤ أحد على الإنكار يدل دلالةً واضحة على كون علي(ع )هو أولَ من آمن وصدق وأسلم في هذه الأمة.
بل إن ذلك يدل على أن مسألة سبق إسلام علي (ع) كانت من الأمور المسلّمةِ آنذاك المتسالمِ عليها من الجميع من أصدقاء علي ومن أعدائه وخصومه، وكشاهد على هذا التسليم نذكر هنا حادثةً واحدةً جرت لسعد بن أبي وقاص الذي لم يكن أساساً في خطّ عليٍّ (ع)، فقد سمع سعدُ بنُ أبي وقاص رجلاً يشتم علياً، فوقف عنده وأنَّبه وقرره وقال له: يا هذا علام تشتم عليَ بنَ أبي طالب؟ ألم يكن أولَ من أسلم؟ ألم يكن أولَ من صلى مع رسول الله؟ ألم يكن أعلمَ الناس؟ فسكت الرجل ولم يجب بشيء.
إن هذه الحادثة تكشف عن مدى التوافق بين الناس آنذاك في قضية سبق علي(ع) إلى الإسلام.
والمسلم به تاريخياً أيضاً، أن خديجة بنتَ خويلد زوجةَ النبي الأولى كانت أولَ امرأة آمنت وصدقت برسول الله(ص) وأسلمت، وقد صلت مع رسول الله(ص) في اليوم الثاني من مبعث النبي (ص) وما على وجه الأرض أحدٌ يعبد الله على هذا الدين إلا النبيَ(ص) وعليَ بنَ أبي طالب(ع).
والذي يبدو من النصوص أن علياً(ع) سبق خديجة إلى الإسلام فأسلم قبلها، وهذا ما يظهر من كلمة (أولُ الناس إسلاماً أو أولُ الأمة إسلاماً) الواردةِ في أحاديث النبي (ص) فإنه ليس المقصود بالأمة أو بالناس في تلك الأحاديث خصوصَ الرجال بل جميعُ المخلوقين رجالاً ونساءاً. فعندما يقال أول الناس إسلاماً، يعني أنه لم يسبقه إلى الإسلام أحد لا من الرجال ولا من النساء.
أما كيف يسبق علي(ع) حتى زوجةَ رسول الله خديجةَ التي يفترض أنها ألصقُ إنسانٍ برسول الله(ص) فيتضح ذلك لو عرفنا أن علياً (ع) كان ملازماً لرسول الله(ص) لا يفارقه ويبدو أنه كان معه(ص) حتى في اللحظة التي بُعث فيها النبي في غار حراء. وقد قال علي (ع) وهو يصف أوضاعه مع رسول الله: (ولقد كنت أتبعُهُ اتباع الفصيل أثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه عَلَمَاً ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحِرَاء فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غيرَ رسول الله وخديجةَ وأنا ثالثهما أرى نور الوحي والرسالة وأشم ريح النبوة، ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنة؟ فقال: هذا الشيطان قد أيس من عبادته، إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي ولكنك لوزير وإنك لعلى خير.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.