السيدة فاطمة المعصومة (ع)
خلاصة الخطبة
أشار سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة:الى أن المشهد الميداني والسياسي في سوريا بدأ ينقلب لمصلحة النظام وحلفائه في سوريا.
وقال: مع دخول الروسي على خط المواجهة بالتنسيق مع الجيش السوري وحلفائه بدأ المشهد الميداني يتبدل حيث تمت حتى الآن استعادة الكثير من المدن والأرياف الاستراتيجية في ريف حلب الجنوبي وريف ادلب الشمالي وريف اللاذقية وصولاً إلى استعادة مدينتي سلمى والشيخ مسكين الاستراتيجيتين...
واعتبر: أن الإنجازات الميدانية أدت إلى خلل وتضعضع في موازين القوى الدولية والإقليمية, وأبرز المتضررين مما يجري إقليمياً هو النظام السعودي والعدو الصهيوني الذي ما زال يعتبر حتى الآن أن سقوط النظام ورحيل الاسد مصلحة استراتيجية له، لأنه يعتبر أن إسقاط النظام في سوريا سيشكل ضربة استراتيجية لإيران ولحزب الله في لبنان.
ورأى: أن المشهد السياسي لا يختلف عن المشهد الميداني, فبعد أن كان التفاوض يجري في السابق حول حكومة انتقالية لها كامل الصلاحيات مما يعني زوال النظام, بات التفاوض الآن بين الحكومة السورية وما يسمى بالمعارضة حول بعض الصلاحيات والمواقع في الحكومة مما يعني أن هناك إقراراً ببقاء النظام.
وبعد أن كان هناك إصرار غربي وسعودي وتركي وقطري على رحيل الرئيس الأسد وأنه لا مكان له في مستقبل سوريا, بات الآن هناك تسليم ببقائه وبحقه في الترشيح كغيره، وأن مصيره يقرره الشعب السوري لا سواه.
وأضاف: في السابق جرت محاولات عديدة لإسقاط بند محاربة الإرهاب عن طاولة التفاوض, أما اليوم فقد باتت مسألة محاربة الإرهاب أولوية.. ولذلك يصر الروسي والنظام وحلفاؤه على استبعاد الجماعات الإرهابية كجيش الإسلام وأحرار الشام وغيرها عن طاولة التفاوض.
وقال: بعد أن جهد السعودي على احتكار تمثيل المعارضة بقوى محسوبة عليه من جماعة مؤتمر الرياض, باتت مشاركة أطراف أخرى شرطاً ضرورياً .
كذلك فإن إيران أصبحت جزءاً من عملية التفاوض وجزءاً من المعادلة بعد أن كانت خارج عملية التفاوض.
ولفت: الى أننا أمام مرحلة جديدة ومشهد جديد في سوريا, فرضته المقاومة والمواجهة والتضحيات والإنجازات الميدانية.
وأكد: أن أي تقدم ميداني وسياسي للنظام وحلفائه في مواجهة العصابات الإرهابية في سوريا سيكون في مصلحة لبنان وأمنه واستقراره.
نص الخطبة
في الإسبوع الماضي مرت علينا ذكرى وفاة السيدة الجليلة السيدة فاطمة المعصومة (ع).
والسيدة فاطمة المعصومة هي السيّدة الجليلة فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم(ع) , وأخت الإمام علي الرضا(ع) وعمة الإمام محمد الجواد(ع), فهي بنت وليّ الله, وأخت وليّ الله, وعمّة وليّ الله, كما جاء في زيارتها,حيث نسلم عليها في الزيارة المأثورة فنقول: اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ وَلِىِّ اللهِ, اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا اُخْتَ وَلِىِّ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا عَمَّةَ وَلِىِّ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ مُوسَى بْنِ جَعْفَر وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.
فاطمة المعصومة(ع) هي الأخت الشقيقة للإمام الرضا عليه السلام تشترك معه في أمّ واحدة , فقد كان للإمام الكاظم (ع)أكثر من عشرين بنتاً ولكن من أمهاتن شتى, أما السيدة المعصومة والإمام الرضا (ع) فهما من أم واحدة, وأمّهما أمّ ولد تكنّى بأمّ البنين واسمها تكتم, وكانت من الطاهرات العفيفات العابدات القانتات لربّها وإليها يشيرالشاعربقوله:
أَلَا إنَّ خَيْرَ النَّاسِ نَفْساً وَوَالِداً وَرَهْطاً وَأَجْدَاداً عَليُّ المُعَظَّمُ
أَتَتْنــا بِـهِ لِلْعِلْمِ والحِلْمِ ثَامِنــاً إِماماً يُؤَدِّي حُجَّةَ اللهِ تَكْتُمُ
ولدت السيدة المعصومة (ع) في المدينة المنوّرة في أول شهر ذي القعدة الحرام سنة 171 للهجرة, وتربت في حجر أبيها الكاظم(ع), وخلال تواجد أبيها في سجون العباسيين وكذلك بعد وفاة أبيها سنة 183 , كان أخوها الإمام الرضا(ع) هو الذي يتكفل رعايتها والعناية بها, ولذلك تعلقت به تعلقاً شديداً, ولذلك لما انتقل الإمام(ع) الى خراسان بأمر من المأمون العباسي, لم تستطع العيش بدونه فاشتاقت اليه وقررت اللحاق به, وبينما كانت في الطريق اليه الى خراسان مرضت فأقامت في مدينة قم سبعة عشر يوماً وتوفيت قبل أن ترى أخيها, حيث كانت وفاتها في قمّ في العاشر من ربيع الثاني سنة 201 للهجرة, ودفنت في مدينة قم المشرفة, ومقامها في هذه المدينة المقدّسة شامخ ومشهور يقصده الزوار والموالون والمسلمون من كافة أنحاء العالم بهدف الزيارة واكتساب الأجر والثواب والفضل.
وسبب تسميتها بفاطمة, هو أن الأئمّة (عليهم السلام) اهتموا اهتماماً شديداً باسم فاطمة لأنّه اسم جدّتهم الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) ولذلك نراهم سمّوا بناتهم بهذا الاسم وأوصوا بالتسمية به:
فعن سليمان الجعفريّ: قال: سمعت أبا الحسن (ع) يقول: لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمّد أو أحمد أو عليّ أو الحسن أو الحسين أو جعفر أو طالب أو عبد الله أو فاطمة من النساء.
وعن السكونيّ قال: دخلت على أبي عبد الله (ع) وأنا مغموم مكروب، فقال لي: "يا سكونيّ ممّ غمّك؟" قلت: ولدت لي ابنة فقال: "يا سكونيّ على الأرض ثقلها وعلى الله رزقها، تعيش في غير أجلك وتأكل من غير رزقك". فسُرى والله عنّي فقال لي: "ما سمّيتها؟" قلت: فاطمة، قال:"آه آه" ثمّ وضع يده على جبهته..(إلى أن قال:) "أمّا إذا سمّيتها فاطمة فلا تسبّها ولا تلعنها ولا تضربها".
ومن هنا فقد سمى الإمام الكاظم (ع) أربعة من بناته بإسم فاطمة.
ولفاطمة(ع) ألقابها وصفاتها الجليلة والعظيمة, فقد عُرفت هذه السيّدة الجليلة بالمعصومة, والمحدّثة, والعالمة، والعابدة، والشفيعة، وكريمة أهل البيت (ع).
قال الشاعر في ألقابها وصفاتها :
يا بِنْتَ مُوسَى وَابْنَـةَ الأَطْهــارِ أُخْتَ الرِّضـا وَحَبِيبَةَ الجَبَّــار
يـــا دُرَّةً مِنْ بَحْرِ عِلْمٍ قَدْ بَدَت ْ لِلَّهِ دَرُّكِ وَالعُــلُوِّ السَّــــارِي
أَنْتِ الوَدِيعَةُ لِلإمامِ عَلَى الوَرَى فَخْرِ الكَرِيمِ وَصَاحِبِ الأَسْرارِ
لا زِلْتِ يا بِنْتَ الهُدى مَعْصُومَةً مِنْ كُلِّ ما يَرْتَضيــهِ البـــارِي
مَنْ زَارَ قَبْرَكِ في الجِنــانِ جَزاؤُهُ هَذا هُوَ المَنْصُوصُ في الأَخْبار
لقد كانت فاطمة وفي غاية الورع والتقوى والزهد، وكيف لا تكون كذلك؟ وأبوها الإمام الكبير العظيم المشهور بالعبادة والطاعة لله, وهو الذي كان يبيت الليل ساجداً وقائماً, ويقضي النهار متصدّقاً وصائماً, ولشدة حلمه وتجاوزه عن المعتدين عليه دُعي كاظماً..لأنه كان يكظم ويمنع غيظه, وكان يجازي المسيء بإحسانه إليه ويقابل الجاني بعفوه عنه, ولكثرة عبادته كان يسمى بالعبد الصالح، ويُعرف بباب الحوائج إلى الله.
اما لقب المعصومة:فقد اشتهرت (ع) بهذا اللقب حتّى باتت تُعرف به, والسبب في وصفها بالمعصومةيعود لطهارتها وعصمتها عن الذنوب، فإنّ العصمة على قسمين، عصمة واجبة كالتي ثبتت للأئمّة المعصومين (ع)، وعصمة جائزة تثبت لكبار أولياء الله تعالى وللعلماء المقدّسين المطهّرين عن الذنوب. ولعلّ ما جاء في ثواب زيارتها ممّا ورد التعبير بمثله للأئمّة المعصومين (ع) يؤيّد هذا الوجه, كالتعبير بأنّ من زارها فله الجنّة أو وجبت له الجنّة أونحو ذلك..
وقد نسب للإمام الرضا (ع)أنّه قال: "من زار المعصومة بقمّ كمن زارني".
أما المحدّثة والعالمة:فقد كانت السيّدة فاطمة عالمة محدّثة راوية، حدّثت عن آبائها الطاهرين (ع)، وحدّث عنها جماعة من كبار رواة العلم والحديث، وأثبت لها أصحاب كتب الحديث روايات ثابتة وصحيحة من الفريقين السنة والشيعة، فذكروا أحاديثها في مرتبة الصحاح الجديرة بالقبول والاعتماد.
ونقل بعضهم عن المرحوم السيّد نصر الله المستنبط عن كتاب كشف اللآلي لابن العرندس الحلّي (المتوفّى حدود سنة 830 هـ)، أنّ جمعاً من الشيعة دخلوا المدينة ولديهم العديد من الأسئلة المكتوبة كانوا يريدون أن يوجهوها لأحد من أهل البيت (ع) وصادف أنّ الإمام موسى بن جعفر(ع) والإمام الرضا (ع)كانا خارج المدينة. وحينما عزموا على الرحيل ومغادرة المدينة تأثّروا وأصابهم الغمّ لعدم رؤية الإمام (ع) وعودتهم إلى وطنهم من دون أن يلتقوا به.
ولمّا شاهدت السيّدة المعصومة(ع) غمّ هؤلاء وتأثّرهم- وهي لم تكن قد وصلت إلى سنّ البلوغ آنذاك- قامت بكتابة الأجوبة على أسئلتهم وقدّمتها لهم. وغادر أولئك الشيعة المدينة فرحين مسرورين والتقوا بالإمام الكاظم(ع) خارج المدينة، فقصّوا على الإمام (ع) ما جرى معهم وأروه ما كتبته السيّدة المعصومة (سلام الله عليها) فسرّ الإمام (ع) بذلك وقال: "فداها أبوها".
وأما لقب العابدة:فيظهر من الروايات أنّ فاطمة كانت كثيرة العبادة وعابدة مقدّسة مباركة , كانت شبيهة جدّتها الزهراء (ع)في العبادة والطاعة لله, ومن الطبيعيّ أن تكون هذه السيّدة الجليلة من العابدات القانتات, حيث تربّت في أجواء العبادة والطاعة في رعاية أبيها العبد الصالح الإمام موسى الكاظم(ع) وأمّها الطاهرة (رضوان الله عليه) وأخيها الإمام الرضا (ع).
وأما لقب الشفيعة:فلمنزلتها العظيمة ومقامها الرفيع عند الله تعالى فقد أُعطيت الشفاعة.
فقد روي عن الإمام الصادق (ع)أنّه قال: "إنّ لله حرماً وهو مكّة، ألا إنّ لرسول الله حرماً وهو المدينة، ألا وإنّ لأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة، ألا وإنّ قمّ الكوفة الصغيرة, ألا إنّ للجنّة ثمانية أبواب ثلاثة منها إلى قمّ، تقبض فيها امرأة من ولدي اسمها فاطمة بنت موسى، وتدخل بشفاعتها شيعتي الجنّة بأجمعهم" .
أما لقب كريمة أهل البيت (ع):فهو لقب اشتهرت به (سلام الله عليها) ويبدو أن الإمام الحجة القائم (عج) هو الذي أطلق عليها هذا اللقب كما يظهر من قصّة منقولة عن السيّد محمود المرعشيّ والد المرجع المعروف السيّد شهاب الدّين المرعشيّ قدّس سرّهما ورد فيها: أنّ السيد محمود كان يريد معرفة مكان قبر الصدّيقة الزهراء (ع), فتوسّل إلى الله تعالى لأجل ذلك ، حتّى أنّه واظب على ذلك أربعين ليلة من ليالي الأربعاء من كلّ أسبوع في مسجد السهلة بالكوفة، وفي الليلة الأخيرة حظي بشرف لقاء الإمام الحجة(ع)، فقال له الإمام (ع): "عليك بكريمة أهل البيت"، فظنّ السيّد محمود المرعشيّ أنّ المقصود بكريمة أهل البيت (ع)هي الصدّيقة الزهراء (ع)فقال للإمام (ع): جعلت فداك إنّما توسّلت لهذا الهدف، لأعلم بموضع قبر الزهراء، وأتشرّف بزيارتها، فقال (ع): "مقصودي من كريمة أهل البيت قبر السيّدة فاطمة المعصومة (ع)في قمّ.." ولذلك قرر السيّد محمود المرعشيّ الإنتقال من النجف الأشرف إلى قمّ لزيارة كريمة أهل البيت (ع).
والمعروف ان السيدة المعصومة لم تتزوج من أحد في حياتها وهذا كان حال بقيّة أخواتها والظاهر أن السبب في عدم زواجهنّ:
1- عدم وجود الكفوء , وهو ما ذكره المحدّث القمّي قدس سره في تاريخ قمّ حيث قال: انّ الرضائيّة لم يزوّجوا بناتهم لعدم الكفؤ لهم .
وليس السبب في ذلك ما يظهر من بعض الروايات من ان الامام الكاظم(ع) أوصى بعدم زواج بناته, إذ كيف يوصي الامام بعدم زواج بناته وهو يحث الآخرين على الزواج وبعتبر الزواج من المستحبات ويكره للإنسان أن يبقى عازباً؟ وقد جاء في إحدى وصايا الإمام الكاظم (ع) أنّه لم ينهى عن زواجهن وإنما جعل أمر زواجهنّ بيد الإمام الرضا (ع) بحيث أنه أوصى بأن لا تتزوّج إحدى بناته إلّا بإذن الرضا (ع)وذلك صيانة لنسل رسول الله أن يقرب منه من ليس كفؤاً له.
إذن السبب الأول هو عدم وجود الكفوء.
-2 السبب الثاني: قلة المال, وهو ما أجاب به الكاظم (ع)هارون الرشيد حينما سأله: فلم لا تزوّج النسوان من بني عمومتهنّ وأكفائهنّ؟ قال: "اليد تقصر عن ذلك" قال: فما حال الضيعة؟ قال: "تعطي في وقت وتمنع في آخر..".
ومن المحتمل أن يكون الإمام قد احتج بقلة المال تقية حيث إن بنو العبّاس وأبناء الرشيد قد رغبوا بالتزويج من بنات الإمام والإمام لا يمكن أن يزوج بناته لأبناء الرشيد ولذلك لا يمكن أن يجيبه بأنّ هؤلاء ليسوا أكفاء لهنّ فتعلّل له بقلة المال وأن اليد تقصر عن ذلك..
3- والسبب الثالث ما ذكره البعض من أنّ ذلك جاء نتيجة الضغوطات العنيفة والممارسات التعسفيّة والظالمة التي كانت السلطة العبّاسيّة تنتهجها تجاه الأئمّة (ع)وشيعتهم, فما كان أحدٌ ليجرأ أن يتقدّم من الإمام ليطلب كريمته. بل إنّ الشيعة- في فترات مختلفة من الزمن- ما كانوا ليقتربوا من دارالمعصومين(ع)في استفتاءاتهم فكيف يدخلون الى بيت الإمام ويطلبون يد كريمة الإمام؟!
كان المشهد العام أنذاك هو مشهد القمع والظلم والتخويف والترهيب لكل من يجاهر بالولاء للأئمة الأطهار(ع) او يتواصل معهم, وهذا المشهد تكرر على مر العصور بعد الأئمة(ع) من قبل الأنظمة الطاغية والظالمة تجاه أتباع أهل البيت, وهو لا يزال موجوداً الى الآن في بعض الدول ومن قبل الجماعات التكفيرية التي تحاصر أتباع أهل البيت(ع) في أكثر من مدينة في سوريا كما في كفريا والفوعة ونبل والزهراء وغيرها .
وقبل قليل وأنا على المنبر أُبلغت بأن إنفجاراً وقع في أحد مساجد مدينة الأحساء في المنطقة الشرقية في السعودية, وهذا التفجير يأتي في سلسلة التفجيرات التي تقوم بها الجماعات التكفيرية الإرهاية ضد المسلمين ومساجدهم وحسينياتهم.
ولكن هذا المشهد لن يستمر, لأنه بالصمود والثبات والصبر والمقاومة ودماء الشهداء والتضحيات نستطيع أن نقلب المشهد ونغير المعادلات, وقد بدأت ملامح انقلاب المشهد الميداني والسياسي في سوريا لمصلحة النظام وحلفائه تظهر في الواقع وفي السياسة, فاليوم هناك انقلاب واضح في المشهد الميداني والسياسي في سوريا.
فميدانياً كان العدوان العسكري الإرهابي المتعدد الأطراف على سوريا قد حقق مكاسب مهمة وانجازات مهمة عندما سيطر على العديد من المدن والأرياف السورية, لكن مع دخول الروسي على خط المواجهة بالتنسيق مع الجيش السوري وحلفائه بدأ المشهد الميداني يتبدل حيث تمت حتى الآن استعادة الكثير من المدن والأرياف الاستراتيجية في ريف حلب الجنوبي وريف ادلب الشمالي وريف اللاذقية وصولاً إلى استعادة مدينتي سلمى والشيخ مسكين الاستراتيجيتين...
هناك تبدل نوعي في موازين القوى الميدانية لمصلحة النظام وحلفائه تقابله خسارات ميدانية كبيرة للجماعات المسلحة الإرهابية.
وهذه الإنجازات الميدانية أدت إلى خلل وتضعضع في موازين القوى الدولية والإقليمية وأبرز المتضررين مما يجري إقليمياً هو النظام السعودي والعدو الصهيوني الذي ما زال يعتبر حتى الآن أن سقوط النظام ورحيل الاسد مصلحة استراتيجية له، لأنه يعتبر أن إسقاط النظام في سوريا سيشكل ضربة استراتيجية لإيران ولحزب الله في لبنان.
أما المشهد السياسي فهو لا يختلف عن المشهد الميداني. إذا أجرينا مقارنة بين بيان جنيف 1 ومقررات فيينا وقرار مجلس الأمن الخاص بالأزمة السورية 2254 والتفاهم الأخير بين الأمريكي والروسي فيما يتعلق بمفاوضات جنيف 3 التي ستنعقد خلال الأيام المقبلة.. إذا أجرينا مقارنة بين كل هذه الأمور سيظهر لنا أين كنا واين أصبحنا على الصعيد السياسي.
فبعد أن كان التفاوض يجري في السابق حول حكومة انتقالية لها كامل الصلاحيات مما يعني زوال النظام, بات التفاوض الآن بين الحكومة السورية وما يسمى بالمعارضة حول بعض الصلاحيات والمواقع في الحكومة مما يعني أن هناك إقراراً ببقاء النظام.
بعد أن كان هناك إصرار غربي وسعودي وتركي وقطري على رحيل الرئيس الأسد وأنه لا مكان له في مستقبل سوريا, بات الآن هناك تسليم ببقائه وبحقه في الترشيح كغيره، وأن مصيره يقرره الشعب السوري لا سواه.
في السابق جرت محاولات عديدة لإسقاط بند محاربة الإرهاب عن طاولة التفاوض, أما اليوم فقد باتت مسألة محاربة الإرهاب أولوية.. ولذلك يصر الروسي والنظام وحلفاؤه على استبعاد الجماعات الإرهابية كجيش الإسلام وأحرار الشام وغيرها عن طاولة التفاوض.
بعد أن كانت المعارضة والدول الداعمة لها تصر على فرض شروط مسبقة للتفاوض مثل التسليم برحيل الأسد وفك الحصار وما شاكل.. بات اليوم عدم فرض شروط مسبقة شرطاً لأي عملية تفاوض وبات ذلك مطلباً أمريكياً.
بعد أن جهد السعودي على احتكار تمثيل المعارضة بقوى محسوبة عليه من جماعة مؤتمر الرياض, باتت مشاركة أطراف أخرى شرطاً ضرورياً.
كذلك فإن إيران أصبحت جزءاً من عملية التفاوض وجزءاً من المعادلة بعد أن كانت خارج عملية التفاوض.
إذن نحن أمام مرحلة جديدة ومشهد جديد في سوريا, نحن أمام مسارجديد فرضته المقاومة والمواجهة والتضحيات والإنجازات الميدانية.
ويجب أن يعرف اللبنانيون أن أي تقدم ميداني وسياسي للنظام وحلفائه في مواجهة العصابات الإرهابية في سوريا سيكون في مصلحة لبنان وأمنه واستقراره.
والحمد لله رب العالمين