الإمام الكاظم(ع) رفعة الذات وعوامل الشهادة
خلاصة الخطبة
الشيخ دعموش في خطبة الجمعة: المجموعات التكفيرية في العراق وسوريا تعمل في إطار مشروع فتنوي يهدد الجميع.
رأى سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: أن المجموعات التكفيرية في العراق وسوريا تعمل في إطار مشروع فتنوي لا يهدد المسلمين سنة وشيعة فقط, بل يهدد الجميع من مسلمين ومسيحيين, ولا يراعي حرمة لمقامات دينية ولا لمقدسات ومساجد وكنائس, ولا لأعراض وعلماء دين ومدنيين وأطفال.
وأشار: الى أن منطقة القصير وجوارها كانت تعيش لعقود من الزمن في جو من الإلفة والتفاهم, ولم يكن بالإمكان التفريق والتمييز بين مكوناتها الاجتماعية والمذهبية, فما كان الناس فيها يميزون بين السني والشيعي والعلوي, ولا بين العربي والكردي والتركماني إلا بعد مجيء هذه المجموعات التكفيرية, حيث استهدفت القرى والبلدات العلوية والشيعية, فقتلوا وخطفوا واعتدوا وهجروا الناس من لبنانيين وغيرهم من قراهم, بحيث اصبح الناس في تلك المناطق بحاجة إلى الحماية وإلى من يدافع عنهم ويحمي نساءهم وأعراضهم وأطفالهم وبلداتهم.
وأكد: أن من يتحمل مسؤولية القتل الذي ارتكب في هذه القرى وفي بعض القرى المسيحية ومسؤولية التهجير.. هي الأطراف التي دعمت المسلحين ومولتهم، وهم أيضاً من يتحمل مسؤولية قتل المدنيين اللبنانيين وتهجيرهم من قراهم, معتبراً: أن هؤلاء هم من يعطل الحوار والحل السياسي في سوريا, في الوقت الذي يجب أن يتحركوا وأن يتحرك كل السوريين لإنقاذ بلدهم بالحوار, ووقف نزيف الدم, وأن يتفقوا ليفوتوا الفرصة على المخططات المشبوهة التي يراد منها تدمير سوريا وتفتيتها وتقسيمها.
نص الخطبة
نعزي صاحب العصر والزمان الإمام الحجة المنتظر (عج), ونائبه في غيبته الإمام الخامنئي دام ظله, وعموم المؤمنين بشهادة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع), الإمام السابع من أئمة أهل البيت (ع), الذي كانت شهادته في 25 رجب سنة 183هـ على يد الخليفة العباسي هارون الرشيد.
لقد سار الإمام الكاظم (ع) على نهج آبائه في مواجهة ومقاومة كل أشكال الظلم والطغيان والأنظمة الجائرة والسلطة المنحرفة التي تمثلت آنذاك بالحكام العباسيين.
وسجن الإمام(ع) في هذا السبيل وفي هذا الطريق أكثر من خمسة عشر سنة, وصبر ولم يتراجع بالرغم من كل التحديات التي تعرض لها.
ويمكن تلخيص الأسباب التي أدت إلى شهادته بعد سجن طويل بالأمور التالية:
أولاً: الإمام كان منافساً قوياً لهارون الرشيد في مسألة الخلافة, وكان هارون يحس بالخطر الشديد من ناحية الإمام (ع).
ثانياً: الحملة الإعلامية التي كان يقودها الإمام (ع) في مواجهة النظام, وإصراره على توضيح الحقائق للناس, وفضح مساوئ وسياسات الحكام أمام الناس كلما سمحت الفرصة بذلك.
ثالثاً: الصبر والثبات الذي كان يتحلى به الإمام (ع) أمام الضغوط، ورفضه الاستجابة والخضوع لإرادة الحاكم بالرغم من كل العروض المغرية التي كان يلوح بها.
وهكذا عندما فشل هارون الرشيد في كل محاولاته للتأثير على شخصية الإمام والقضاء على حركته ومقاومته, وعندما وجد في الإمام خصماً لا يمكن أن يستسلم أو يلين في مواقفه المبدئية .. فكر بأن الحل النهائي هو قتل الإمام (ع), فأوعز إلى سجان الإمام بأن يدس له السمّ في الطعام، فاستشهد مسموماً صلوات الله عليه.
والإمام الكاظم (ع) كبقية الأئمة الأطهار (ع) عرف بسعة علمه, وغزارة معرفته, وعبادته المتواصلة, وأخلاقه العالية, وحلمه عن المسيئ, وصفحه عن المذنب, وجهاده المستمر في سبيل الله ومن أجل إعلاء كلمته.
عرف (ع) كبقية الأئمة الأطهار من أهل البيت (ع) بعلاقته القوية بكتاب الله تعالى.
فقد ورد: أنه كان أحسن الناس صوتاً بالقرآن, وأحفظهم لآياته, وكان (ع) إذا قرأ القرآن يحزن ويبكي السامعون لتلاوته، وقال أحد سامعيه يتلو كتاب الله: كانت قراءته حزناً, فإذا قرأ فكأنه يخاطب إنساناً.
وكان (ع) كثير العبادة لله تعالى, غزير الدمعة, يبكي من خشية الله حتى يخضب لحيته بالدموع, حتى سماه أهل المدينة بزين المتهجدين.
وورد: أن أحد جواسيس السلطة سمعه بعد دخوله السجن يقول في دعائه: (اللهم إنك تعلم أنني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك، اللهم وقد فعلت فلك الحمد).
كما ورد: أن الفضل بن ربيع جلس على سطح مشرف على المكان الذي سجن فيه الإمام (ع) وسأل أحدهم: ماذا ترى؟ فأجاب ثوباً مطروحاً, فقال له: أمعن النظر ( انظرجيداً) فتأمل الرجل جيداً فقال: رجل ساجد, عندها قال له الفضل: هذا موسى بن جعفر أتفقده الليل والنهار، فلم أجده في وقت من الأوقات إلا على هذه الحالة, انه يصلي الفجر فيعقب إلى أن تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجداً حتى تزول الشمس، وقد وكل من يترصد له أوقات الصلاة فإذا أخبره وثب يصلي من غير تجديد وضوء وهو دأبه، فإذا صلى العتمة أفطر ثم يجدد الوضوء، ثم يسجد فلا يزال يصلي في جوف الليل حتى يطلع الفجر وهو يقول: عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك, يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة وجعل يرددها حتى أصبح.
وتحدث أحد أصحابه قائلاً: كنت أسير مع أبي الحسن (ع) في بعض أطراف المدينة إذ ثنى رجله عن دابته، فخرّ ساجداً فأطال وأطال ثم رفع رأسه وركب دابته, فقلت: جعلت فداك قد اطلت السجود؟
فقال (ع): إنني ذكرت نعمة أنعم الله بها عليّ فأحببت أن أشكر ربي.
وكان كثير الاستغفار, وقد ورد عنه (ع): إني لأستغفر الله في كل يوم خمسة آلاف مرة.
وعرف عن الإمام الكاظم (ع) أنه باب الحوائج إلى الله تعالى, فكان قبل شهادته باباً لقضاء حوائج فقراء أهل المدينة الذين كان يحمل لهم في الليل ما يحتاجونه من دون أن يعلموا من أي جهة هو, وبقي بعد شهادته باباً للحوائج إلى الله تعالى كما يشهد بذلك القريب والبعيد, فقد روي أن امرأة شوهدت في بغداد تهرول، فقيل لها إلى أين؟ قالت: إلى موسى بن جعفر فإنه حُبس ابني.
فقال لها أحدهم: إنه قد مات في الحبس.
فقالت: بحق المقتول في الحبس أن تريني القدرة, فإذا بابنها قد أُطلق سراحه.
وفي تاريخ بغداد أن شيخ الحنابلة الحسن بن ابراهيم الخلال قال: ما همني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر (ع) فتوسلت به إلا سهل الله تعالى لي ما أحب.
هذا المقام الشامخ للإمام الكاظم في بغداد والذي هو مقصد المسلمين من كل أنحاء العالم.. كان ولا يزال هدفاً للمجموعات التكفيرية الحاقدة.
هذه المجموعات التي تعمل في العراق وسوريا في إطار مشروع تكفيري وفتنوي، لا يهدد المسلمين سنة وشيعة فقط, بل يهدد الجميع.. من كل الأديان من مسلمين ومسيحيين, ولا يراعي حرمة لمقامات دينية ولا لمقدسات ومساجد وكنائس.. ولا لأعراض.. ولا لعلماء دين ومدنيين وأطفال.
منطقة القصير والقرى والبلدات التي في ريفها والمجاورة لها, كانت تعيش لعقود من الزمن في جو من الإلفة والتفاهم ولم يكن بالإمكان التفريق والتمييز بين مكوناتها الاجتماعية والمذهبية, فما كان الناس فيها يميزون بين السني والشيعي والعلوي, ولا بين العربي والكردي والتركماني إلا بعد مجيء هذه المجموعات التكفيرية, فبدأوا باستهداف القرى والبلدات العلوية والشيعية, حيث قتلوا وخطفوا واعتدوا وهجروا الناس من قراهم, وتم استهداف لبنانيين من سكان تلك المنطقة داخل حدود سوريا, تم استهدافهم واستهداف غيرهم بالقتل والخطف والتهجير.
هؤلاء الناس كانوا بحاجة إلى الحماية, بحاجة إلى من يدافع عنهم ويحمي نساءهم وأعراضهم وأطفالهم وبلداتهم.
من يتحمل مسؤولية القتل الذي ارتكب في هذه القرى وفي بعض القرى المسيحية على الحدود الشرقية ومسؤولية التهجير الذي حصل في هذه البلدات.. هي الأطراف التي بادرت وأخذت قراراً بدعم المسلحين وتمويلهم، وهم من يتحمل مسؤولية قتل المدنيين اللبنانيين وتهجيرهم من قراهم.
وهؤلاء اليوم يعطلون أي محاولة للحوار والحل السياسي في سوريا, في الوقت الذي يجب أن يتحركوا وأن يتحرك كل السوريين لإنقاذ بلدهم بالحوار, ووقف نزيف الدم, وأن يتفقوا ليفوتوا الفرصة على المخططات المشبوهة التي يراد منها تدمير سوريا وتفتيتها وتقسيمها.
والحمد لله رب العالمين