الإمام علي (ع) وكرامة الولادة في الكعبة
خلاصة الخطبة
الشيخ دعموش في خطبة الجمعة: المواجهة مع التكفيريين هي مواجهة مع المشروع الأمريكي الإسرائيلي الذي يريد تدمير وتفتيت المنطقة من أجل أمن إسرائيل
شدد سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: على أن المجموعات التكفيرية هي أداة في المشروع الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة, وأنها أداته لتدمير بلدان هذه المنطقة ونشر الخراب والدمار والقتل فيها.
وقال: لقد أصبحت هذه الجماعات جرثومة فساد وإفساد في هذه المنطقة ويجب اقتلاعها قبل أن تستفحل وتنتقل من بلد إلى بلد, فتصيب بإرهابها بلدنا ووطننا وأهلنا في لبنان, كما أصابت وتصيب بإرهابها وبإرادتها التدميرية سوريا والعراق وباكستان.
واعتبر: أن المواجهة مع هؤلاء هي مواجهة مع المشروع الأمريكي الإسرائيلي الذي يريد تدمير وتفتيت هذه المنطقة من أجل أن تأمن إسرائيل, وأن مواجهتهم ليست مواجهة للسنة أو لأتباع أي مذهب, لأن هؤلاء لا مذهب لهم, هؤلاء يستترون بالإسلام, هؤلاء أدوات للفتنة ولتفتيت المنطقة وتقسيمها, وأدوات لضرب حركات المقاومة في لبنان وفلسطين والقضاء عليها.
وأضاف: مواجهة هؤلاء هي مواجهة للآلة الإسرائيلية التي تريد إحداث الفتنة والقتل على أساس طائفي ومذهبي.
ورأى: أن شهدائنا الأبرار الذين سقطوا في المواجهة الأخيرة (القصير) هم لا ينقصون ولا يقلون من حيث الفضل والقيمة والرفعة والمنزلة والكرامة, ومن حيث الأجر والثواب عن الشهداء الذين سقطوا في مواجهة المحتل الإسرائيلي وصنعوا لنا انتصاراً كبيراً في مثل هذه الأيام من العام 2000, فالمعركة هي المعركة, والمواجهة هي المواجهة, والمشروع هو المشروع, والأهداف هي ذات الأهداف, والاختلاف إنما هو في شكل وصورة العدو.
وأكد: أن شهداء القصير هم شهداء المقاومة وشهداء الوطن بل شهداء الأمة, لأنهم سقطوا للدفاع عن مستقبل المقاومة, وعن البلد واستقراره وأمنه وسلمه الأهلي ووحدته الوطنية, وعن وحدة الأمة.
نص الخطبة
اليوم يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب, ذكرى ولادة أمير المؤمنين وسيد الوصيين وقائد الغر المحجلين إلى جنات النعيم، قسيم الجنة والنار، الحق الذي يدور معه كيفما دار, علي بن أبي طالب حيدر الكرار (ع).
لقد ولد علي (ع) يوم الجمعة في الثالث عشر من رجب, بعد ثلاثين سنة من عام الفيل، وقد كان رسول الله (ص) يتيمّن بتلك السنة وبولادة علي فيها, ويسميها سنة الخير وسنة البركة.
وعلي (ع) أبوه: أبو طالب, واسمه عبد مناف، وأمه: فاطمة بنت أسد بن هاشم, ونسبه: نفس نسب رسول الله محمد بن عبد الله (ص) بدءاً من عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف إلى أن يصل إلى عدنان.
وقد قال (ص): أنا وعلي من شجرة واحدة, وسائر الناس من شجر شتى. بل إن النبي (ص) وعلياً (ع) قد خلقا من نور واحد قبل خلق الخلق كما في الروايات.
وقد تواترت الأخبار بأن فاطمة بنت أسد ولدت علياً (ع) في جوف الكعبة, حيث انشق جدار الكعبة لها فدخلت ووضعت علياً في جوف الكعبة، ولم يولد قبله ولا بعده أحد في بيت الله سواه.
فكان ذلك تكريماً وتعظيماً وإجلالاً من الله لهذا المولود, الذي كانت بدايته في بيت الله, ونهايته في بيت الله, وحياته كلها بين البداية والنهاية جهاداً وعطاءاً في سبيل الله ومع الله.
وقد ورد عن الإمام زين العابدين (ع): إن فاطمة بنت أسد كانت في الطواف فضربها الطلق، فدخلت الكعبة، فوضعت أمير المؤمنين (ع) فيها.
ولما ولد (ع) سجد لله، وشهد بالوحدانية وبالرسالة, وفي نص آخر: إنه لما ولد (ع) سجد لله على الأرض وحمده.
وحديث انشقاق جدار الكعبة لفاطمة بنت أسد لتضع مولودها في جوف الكعبة, هو حديث مستفيض لا يمكن التشكيك بصحته, وقد روي عن أشخاص حارب بعضهم علياً (ع) ونصب العداء له وسعى لقتله ولا يرضى بإقرار فضيلة أو منقبة أو كرامة له.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هو السر في اختصاص علي (ع) بكرامة الولادة في جوف الكعبة؟ ولماذا لم يولد غيره كرسول الله(ص) فيها؟؟
بالتأكيد ولادة علي (ع) في جوف الكعبة ليست شيئاً صنعه الإمام (ع) لنفسه، ولا صنعه الآخرون لعلي(ع) لتأييد مفهوم اعتقادي، أو من أجل تكريس واقع سياسي, أو من أجل الانتصار لجهة أو فئة أو طائفة في صراع ديني أو اجتماعي... بل إن ولادته في جوف الكعبة هي أمر صنعه الله سبحانه وتعالى لعلي (ع), ليدل دلالة واضحة على اصطفاء الله له, وعنايته به, ورعايته له, واختياره ليكون ولياً من أوليائه.
وبالتالي: فإن من شأن ذلك أن يسهّل أمر الاهتداء إلى ولايته وقبول إمامته، والإذعان بفضله, وبأنه من صفوة خلق الله ومن عباده المخلصين.
ولادة علي في جوف الكعبة بهذه الطريقة الإعجازية, هي لطف إلهي بالأمة ورحمة للأمة, وسبب من أسباب هداية الأمة إلى الحق، وسبب من أسباب انضباطها وصلاحها وهدايتها وإيمانها بإمامته وولايته، وابتعادها عن الانحراف والانسياق وراء الأهواء, ووراء من أراد حرف الإمامة عن مسارها الصحيح الذي رسمه النبي (ص) قبل وفاته.
إذن هذه الكرامة (كرامة الولادة في جوف الكعبة) هي رحمة للأمة وسبب من أسباب هدايتها للولاية.
لقد ولد علي (ع) ولرسول الله (ص) ثلاثون سنة، وكان (ص) لا يزال في بيت أبي طالب، فأحبه النبي (ص) حباً شديداً، وقال لفاطمة بنت أسد اجعلي مهده بقرب فراشي.
وكان النبي (ص) يتابع تربيته ويطهره في وقت غسله, ويعطيه اللبن, ويحرك مهده عند نومه ويضمه إلى صدره ويقول: هذا أخي وولي وناصري وصفيّ وذخري وكهفي وصهري ووصيي وزوج كريمتي وأميني على وصيتي وخليفتي.
وكان يحمله دائماً ويطوف به جبال مكة وشعابها وأوديتها.
ويقول علي (ع) في خطبته المسماة بالقاصعة وهو يصف رعاية رسول الله (ص) له: وضعني في حجره وأنا ولد، يضمني إلى صدره، ويكنفني في فراشه, ويمسني جسده, ويشمني عرفه, وكان يمضع الشيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول, ولا خطلة في فعل..
ويقول: ولقد كنت اتبعه اتباع الفصيل اثر أمه, يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري.
ولم يكن علي (ع) مع النبي (ص) في غار حراء متنزهاً أو متفرجاً, بل كان يشارك النبي (ص) في عبادته لله وتوجهه إلى الله سبحانه, ولكن لماذا في غار حراء وليس في مكة؟
يبدو أن تعبده (ص) وعلي (ع) في غار حراء لم يكن عفوياً, بل كان له سبب هام وهو: أن الاصنام قد وضعت حول الكعبة وفيها وعليها, فلم يكن النبي (ص) يتعبد عندها أو في الكعبة خشية أن يتوهم أحد أن النبي (ص) إنما يسجد للأصنام أو يتعبد لها، أو أنه يكنّ لها الاحترام.
ويلاحظ أيضاً: أن بني هاشم وعلى رأسهم عبد المطلب وأبو طالب لا يذكرون في جملة الذين كانوا يجلسون عند الكعبة، ربما لأنهم كانوا على دين إبراهيم (ع) ويريدون أن ينأوا بأنفسهم عن أن يتوهم أحد في حقهم أنهم يقدسون تلك الأصنام.
وعلى كل حال, فقد كان علي (ع) أحب الناس إلى رسول الله (ص), بل لقد روي عن عائشة أنها قالت: ما خلق الله خلقاً كان أحب إلى رسول الله من علي بن أبي طالب.
ولذلك فقد كفله النبي (ص) وخصه بالرعاية والتربية, ولم يزل حتى بعثه الله رسولاً وهادياً, فكان علي (ع) أول الناس قاطبة إسلاماً وتصديقاً.
النقطة الأخيرة: من أهم ميزات علي (ع) امتلاكه البصيرة ووضوح الرؤية, وملازمته للحق مهما كانت الظروف والتحديات, حتى صار الحق يدور معه كيفما دار.
وانطلاقاً من هذا الوضوح كان يقول (ع): إني والله لو لقيتهم وهم طلاع الأرض كلها ما باليت ولا استوحشت, وإني من ضلالهم الذي هم فيه والهدى الذي أنا عليه لعلى بصيرة من نفسي ويقين من ربي, وإني إلى لقاء الله لمشتاق, وحسن ثوابه لمنتظر راج, وأيم الله ما ضعفت ولا جبنت ولا خنت ولا وهنت, وأيم الله لأبقرن الباطل حتى أخرج الحق من خاصرته.
وعلي (ع) خاض كل معاركه وحروبه على أساس وضوح الحق, عندما كان مع رسول الله (ص)، وعندما كان وحده بعد وفاة رسول الله(ص) في قتاله للقاسطين والمارقين والناكثين.
يقول (ع) وهو يحث أصحابه على الجهاد ويبعث فيهم روح التضحية ويعطيهم التوجيهات اللازمة لتحقيق الأهداف التي خرج من أجلها والتي قد يشكك البعض فيها وتلتبس عليه الأمور: فأقيموا على شأنكم, والزموا طريقتكم, وعضوا على الجهاد بنواجذكم, ولا تلتفتوا إلى ناعق نعق إن أجيب أضل, وإن ترك ذل, ووالله إن جئتها إني للمحق الذي يتبع, وإن الكتاب لمعي ما فارقته مذ صحبته, فلقد كنا مع رسول الله (ص) وإن القتل ليدور على الآباء والأبناء والأخوان والقرابات فما نزداد على كل مصيبة وشدة إلا إيماناً ومضياً على الحق, وتسليماً للأمر, وصبراً على مضض الجراح, ولكن إنما أصبحنا نقاتل اخواننا في الإسلام على ما دخل عليه من الزيغ والإعوجاج والشبهة والتأويل.
فعلي (ع) قاتل المنحرفين الضالين الذين زاغوا عن الحق, وأصابت عقولهم الشبهات, وأولوا الدين حتى أصبح بعضهم يكفر الآخرين, ويقتل المسلمين ويترك غير المسلمين, يروع المسلمين ويجعل اليهود في مأمن.
الخريت بن راشد وهو ممن تمرد على علي (ع) وفرّ مع بعض أصحابه, أرسل علي (ع) من يلاحقه ليشتبك معه بعد ما بلغه أنه يقتل المسلم من شيعته ويترك اليهودي.
علي (ع) لم يقاتل هؤلاء لأنهم ينتمون إلى نهج معين أو طائفة معينة أو مذهب معين، علي (ع) لم يقاتل أتباع الصحابة الآخرين (أو السنة بتعبيرنا اليوم) وإنما قاتل المنحرفين الذين لا مذهب لهم ولا دين.
واليوم التاريخ يعيد نفسه, اليوم هناك مجموعات تكفيرية تنادي بقتل المسلمين وترك الصهاينة, اليوم هناك مجموعات تنتهك المقدسات وتفجر المقامات الدينية وتنبش قبور الصحابة.
وقد قلنا إن هذه المجموعات هي أداة في المشروع الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة, هي أداة لتدمير بلدان هذه المنطقة.
هذه المجموعات التكفيرية الإرهابية التي تنشر الخراب والدمار والقتل وترتكب المجازر.
هذه المجموعات التي باتت أولويتها قتل المسلمين من أتباع مذاهب معينة.
لقد أقدم هؤلاء على خطف مجموعة من الزائرين اللبنانيين الأبرياء قبل سنة, واعتدوا على مقام السيدة زينب (ع) والسيدة رقية (ع) ونبشوا قبر الصحابي حجر بن عدي, وكل يوم يتوعدونا بأنهم قادمون إلينا بعد الانتهاء من سوريا.
هذه الجماعات أصبحت جرثومة فساد وإفساد في هذه المنطقة ويجب اقتلاعها قبل أن تستفحل وتنتقل من بلد إلى بلد, فتصيب بإرهابها بلدنا ووطننا وأهلنا في لبنان, كما أصابت وتصيب بإرهابها وبإرادتها التدميرية سوريا والعراق وباكستان.
اليوم المواجهة مع هؤلاء هي مواجهة مع المشروع الأمريكي الإسرائيلي الذي يريد تدمير وتفتيت هذه المنطقة من أجل أن تأمن إسرائيل.
مواجهة هؤلاء ليست مواجهة للسنة أو لأتباع أي مذهب, لأن هؤلاء لا مذهب لهم, هؤلاء يستترون بالإسلام, هؤلاء أدوات للفتنة ولتفتيت المنطقة وتقسيمها, وأدوات لضرب حركات المقاومة في لبنان وفلسطين والقضاء عليها.
مواجهة هؤلاء هي مواجهة للآلة الإسرائيلية التي تريد إحداث الفتنة والقتل على أساس طائفي ومذهبي.
وشهداؤنا الأبرار الذين سقطوا في المواجهة الأخيرة (القصير) هم لا ينقصون ولا يقلون من حيث الفضل والقيمة والرفعة والمنزلة والكرامة, ومن حيث الأجر والثواب عن الشهداء الذين سقطوا في مواجهة المحتل الإسرائيلي وصنعوا لنا انتصاراً كبيراً في مثل هذه الأيام من العام 2000.
المعركة هي المعركة, والمواجهة هي المواجهة, والمشروع هو المشروع, والأهداف هي ذات الأهداف, والاختلاف إنما هو في شكل وصورة العدو.
ولذلك فإن شهداءنا في هذه المواجهة.. هم شهداء المقاومة وشهداء الوطن بل شهداء الأمة.
هم شهداء المقاومة, لأنهم سقطوا للدفاع عن مستقبل المقاومة, وفي سبيل الحفاظ على مستقبلها, لتبقى عنصر القوة الذي يواجه العدو الصهيوني بكل ما ترمز إليه هذه المقاومة في لبنان وفلسطين.
وهم شهداء الوطن, لأنهم يدافعون عن البلد واستقراره وأمنه وسلمه الأهلي ووحدته الوطنية, لأنه إذا لم يتم اجتثاث فساد هؤلاء فإنهم سيأتون إلى بلدنا ليمارسوا الدور الإرهابي الذي يمارسونه في سوريا.
إن لم نذهب لقتالهم فسيأتون إلينا .. يحرضون على الفتنة ويدمرون ويقتلون ويفجرون ويرتكبون المجازر.. وها أنتم تشاهدون ما يحصل في طرابلس.. وهذا نموذج ومثال ومصداق.
وهم شهداء الأمة, لأنهم يواجهون الضالين والمنحرفين الذين لا طائفة لهم ولا مذهب, الذين يسيئون إلى هذا الدين الذي هو أعظم الأديان, وإلى هذه الأمة التي هي أشرف الأمم وخير الأمم.
فهنيئاً لكل شهداء المقاومة الذين صنعوا لنا الانتصارات في 2000 وفي 2006م, هنيئاً لشهداء المقاومة الذين سقطوا في المواجهات الأخيرة وهم يدفعون عنا الفتنة ويدافعون عن وحدة الأمة.
والحمد لله رب العالمين