أركان الإمامة وصغر السن
خلاصة الخطبة
الشيخ دعموش في خطبة الجمعة: إسرائيل لا تخشى في المنطقة إلا المقاومة
رأى سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: أن المطلوب إخراج سوريا من معادلة الصراع مع إسرائيل ومن معادلة المقاومة, وهو ما يتطلب تدمير سوريا نظاماً وشعباً وجيشاً ومؤسسات.
ولفت: الى أن كل من يساهم في تدمير سوريا, ويقدم السلاح والمال من أجل خرابها, ويسعى للسيطرة وخلق الفوضى في البلدات والمدن السورية, إنما يخدم المشروع الإسرئيلي.
وأكد: أن إسرائيل لا تخشى في المنطقة إلا المقاومة, ولا تخشى المجموعات التكفيرية المسلحة ولا القاعدة ولا العناصر المرتبطة بأميركا..
واعتبر: أنه لولا المقاومة لكانت إسرائيل استغلت الأزمة السورية لتغيير المعادلات في لبنان, لكنها تدرك أن المقاومة في أعلى مستويات الجهوزية, وهي تملك الإرادة والشجاعة لاستخدام السلاح في مواجهة أي عدوان.
نص الخطبة
في هذا الشهر المبارك, شهر رجب, مناسبات عظيمة وجليلة عديدة منها: ذكرى ولادة الإمام علي الهادي (ع) في الثاني منه وذكرى شهادته في الثالث منه، وذكرى ولادة الإمام الجواد (ع) في العاشر منه.
والنقطة المشتركة بين الإمامين محمد الجواد(ع) وعلي الهادي (ع) هو تولي الإمامة والقيادة في سن مبكر.
فقد كان الإمام الجواد(ع) أول إمام يتولى شؤون الإمامة ويتسلم القيادة وهو صغير السن, حيث كان عمره ثماني سنوات، ثم جاء بعده ولده الإمام علي الهادي(ع) ليتسلم الإمامة والقيادة وهو بهذه السن أيضاً, ثماني سنوات أو أقل، ثم أتى بعد ذلك الإمام المهدي (عج) ليتولى الإمامة وعمره لا يزيد على الخمس سنوات.
والسؤال الذي يُطرح هنا: كيف يُعرف الإمام؟ وما هي المعايير التي من خلالها نعرف الإمام؟ أو بماذا تتقوم الإمامة؟ وما هي أركانها الأساسية؟
ومن جهة أخرى: هل يمكن أن يتولى منصب الإمامة والقيادة طفل صغير لم يبلغ الثامنة من عمره؟
هذه الأسئلة التي تطرح في هذا المجال..
ويمكن الإجابة على هذه الأسئلة في نقطتين:
النقطة الأولى: إن الإمامة تقوم على ثلاثة أركان, إذا توافرت في شخصية الإمام يكون إماماً, وإذا فقدت أو فقد أي منها فإن الإمامة تفقد مضمونها, وهذه الأركان هي:
أولاً: النص: أي النص على إمامته من النبي (ص) ومن الإمام الذي قبله.
الثاني: العلم الخاص: أي العلم الذي اختص به الأئمة(ع) وأخذوه عن آبائهم وعن النبي (ص).
الثالث: العصمة: فإذا لم يكن معصوماً ومنزهاً عن الإثم والخطأ فليس بإمام.
هذه الأركان الثلاثة حاسمة في إثبات الإمامة, وبدونها لا تتجسد الإمامة مهما كان الشخص يملك من علم أو فضل أو كفاءة في جوانب أخرى.
نعم هناك مواصفات مطلوبة في الإمام تساعده على تحمل المسؤولية والقيام بالأعباء المطلوبة, من قبيل الجدارة والأهلية والقدرة على النهوض بالمسؤولية والحنكة والشجاعة وحسن التدبير وغير ذلك من الخصائص القيادية التي من شأنها أن تحفظ المسيرة وتضمن سلامة الاتجاه.. هذا كله مطلوب لكن الأساس هو الأركان الثلاثة التي ذكرنا.
ولأن هذه الأركان الثلاثة هي الأساس: نجد أن الأئمة (ع) كانوا يركزون على إبراز النص على كل إمام، وعلى إظهار علومه ومعارفه الخاصة، وعلى عصمته.
كانوا يركزون على إبراز النص في المناسبات المختلفة.. من ذلك: احتجاج علي (ع) ومعظم الأئمة (ع) بحديث الغدير الذي نص فيه النبي (ص) على إمامة علي (ع) من بعده, احتجاجهم به في مناسبات كثيرة ومختلفة..
وقد نص هنا الإمام الرضا (ع) على ولده الإمام الجواد(ع), على إمامته وقيادته من بعده في أكثر من أربعين مناسبة, قبل أن يولد وبعد ولادته وفي وصيته قبل استشهاده (ع), وكل ذلك حصل من أجل التمهيد لإمامة الجواد (ع) المبكرة، لأنها تعتبر ظاهرة فريدة في نوعها, وهي تحصل لأول مرة في تاريخ أهل البيت (ع).
كما نص الإمام الجواد (ع) على إمامة ولده الهادي(ع) في كثير من المناسبات.
ومهما حاول خصوم أهل البيت (ع) إنكار النص على علي (ع) أو الأئمة الأطهار(ع), أو تأويل تلك النصوص الواردة بحقهم, لكنهم لن يتمكنوا من إنكار الحديث المتواتر عند جميع المسلمين الوارد عن النبي (ص) والذي يقول فيه: سيكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش, أو كلهم من بني هاشم.
وفي كثير من النصوص تصريح بأسماء هؤلاء إسماً إسماً, من الإمام علي بن أبي طالب (ع) إلى الإمام الحجة قائم آل محمد (عج).
وهذا الحديث لا يمكن إنكاره وتأويله لأنه لا ينطبق إلا على الأئمة الاثنا عشر (ع)، فهو لا ينطبق على الخلفاء بعد النبي (ص) لأنهم كانوا أقل من اثني عشر, ولا على خلفاء بني أمية لأنهم كانوا أكثر من هذا العدد, ولا على خلفاء بني العباس لأنهم أكثر من ذلك.
هذا كله في مجال النص، أما في مجال العلم الخاص، فإن هناك تصريحات كثيرة للأئمة (ع) يظهرون فيها أن عندهم العلم الخاص الذي اختصهم به النبي (ص) بأمر من الله سبحانه وتعالى.
كذلك هناك أحاديث كثيرة تقول: إن عندهم الجفر, وعندهم الجامعة، ومصحف فاطمة, وهي كلها من إملاءات رسول الله الخاصة عليهم.
وبالرغم من كل محاولات الحكام إخفاء علوم أهل البيت (ع) إلا انهم كانوا منارة كبيرة, واعترف لهم القاصي والداني, والعدو والصديق, بالعلم والفضل وعلو المنزلة.
والإمام الجواد(ع) وكذلك الإمام الهادي(ع) برغم صغر سنهما, كان يقر الصديق والعدو بفضلهما وعلمهما وسعة معارفهما.
وربما تكون المجالس العلمية والفكرية ومجالس المناظرات والمحاورات التي كانت السلطة وراء إقامتها بحضورها لاختبارهما أو لإفشالهما وإظهار عجزهما، قد ساهمت في إظهار علومهما وفضلهما وانتشار صيتهما.
أما النقطة الثانية: فهي جواب عن سؤال: هل يمكن أن يتولى صغير الإمامة والقيادة؟
نعم.. وما المانع من ذلك؟ ما دام أن الله سبحانه هو الذي اختاره واصطفاه, وهو الذي يؤهله لهذا المقام السامي.
وقد تولى بعض حجج الله مهمات قيادية وهم في سن مبكر.
فقد حدثنا القرآن الكريم: أن الله جعل عيسى (ع) نبياً وهو في المهد وقد آتاه الله الكتاب وهو في هذه السن.
[فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا].
وآتى الله يحيى بن زكريا الحكم صبياً, قال تعالى: [يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا].
وأحتج الإمام الجواد (ع) على البعض ممن استهجن عليه أن يتولى الإمامة وهو في هذه السن: بأن داوود استخلف سليمان وهو صبي يرعى الغنم.
فإذا كان الله قد جعل هؤلاء الحجج في هذه المقامات والمناصب وهم صغار السن, فلماذا لا يجعل هذين الإمامين العظيمين, الجواد والهاديعليهما السلام, في هذا الموقع؟ ولماذا لا يؤتى هذان الإمامان القدرة على التعليم من آبائهما جميع علوم الإمامة في خلال أربع سنوات أو في حال صغر السن؟
وقد قبل أغلب الشيعة بإمامة الجواد(ع) ثم بإمامة الهادي(ع) رغم صغر سنهما, لأنهم كانوا يملكون هذه الضوابط وهذه المعايير.. وكانوا يعتبرون أن قضية الإمامة هي قضية إلهية, ولذلك فلم يكن صغر السن مهماً بالنسبة إليهم ما دام أن تلك المعايير والضوابط متوافرة في شخصية الجواد والهادي (عليهما السلام).
وهذه هي الحصانة الفكرية والعقيدية والإيمانية التي ينبغي أن يملكها شبابنا وأخواتنا حتى نستطيع مواجهة الشبهات والمشككين والمرتابين.
وإلى جانب هذه الحصانة الفكرية, المطلوب أن تكون هناك حصانة سياسية, ووعي سياسي, لمواجهة التضليل والتحريض والإعلام المزيف الذي يحاول تصوير ما يجري في المنطقة على أنه نزاع مذهبي أو طائفي, متجاهلين أن ما يجري هو نزاع سياسي, خاصة ما يجري في سوريا, حيث إن المطلوب إخراج سوريا من معادلة الصراع مع إسرائيل وإخراجها من معادلة المقاومة, وإخراج سوريا من معادلة الصراع والمقاومة يتطلب أن يكون هناك تدمير منهجي لسوريا نظاماً وشعباً وجيشاً ومؤسسات.
وكل من يساهم في هذا التدمير إنما يخدم إٍسرائيل.. كل من يقدم السلاح والمال من أجل خراب سوريا وتدمير سوريا ولا يقدم السلاح والمال للمقاومة في مواجهة إسرائيل هو يخدم إسرائيل.. كل من يسعى للسيطرة وخلق الفوضى في البلدات السورية والمدن السورية ولا يسعى إلى إعادة كامل الأرض الفلسطينية المحتلة, هو يخدم المشروع الإسرئيلي.
إسرائيل اليوم لا تخشى في المنطقة لا المجموعات التكفيرية ولا المجموعات المسلحة ولا القاعدة والعناصر المرتبطة بأميركا.. إسرائيل لا تخشى في المنطقة إلا المقاومة, ولولا المقاومة لكانت إسرائيل استغلت الأزمة السورية لتغيير المعادلات في لبنان, لكنها تدرك أن المقاومة في أعلى مستويات الجهوزية, وهي تملك الإرادة والشجاعة لاستخدام السلاح في مواجهة أي عدوان.
والحمد لله رب العالمين