فوائد الصوم ونتائجه الاجتماعية والصحية (4)
بسم الله الرحمن الرحيم
(يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)
لا يزال الكلام في تفسير هذه الآية وقد ذكرنا فيما سبق ان الغاية من الصيام هي الحصول على التقوى بمعنى ان الصيام اداة ووسيلة يتدرب الانسان من خلالها على اجتناب المعاصي والمحرمات التي نهى الله عنها.
وقد عرفنا كيف ان الصوم يربي في الانسان الارادة القوية التي تمكنه من الضغط على شهواته وغرائزه واهوائه والسيطرة عليها.وكيف انه ينمي في الانسان الاحساس بوجود الله وبرقابته عليه فيحصل من خلال ذلك على ملكة التقوى ويتماسك امام المحرمات ويتقي الوقوع فيها.
والتقوى ليست هي الفائدة الوحيدة التي يحصل عليها الانسان من خلال ممارسة هذه العبادة ،فان للصوم فوائد اخرى اجتماعية وصحية ونفسية بالاضافة الى فائدته التربوية.
ونحن هنا نشير الى اهم تلك النتائج الاجتماعية والصحية كما اشارت اليها بعض النصوص والروايات الواردة عن النبي (ص) وعن أئمة اهل البييت عليهم السلام .
اما الأثر الاجتماعي للصوم فهو لا يخفى على احد فالصوم درس في المساواة بين افراد المجتمع ،لان جميع المكلفين يتساوون امام هذا الواجب الالهي، الاغنياء والفقراء والاقوياء والضعفاء، كل طبقات المجتمع تؤدي وظيفة الصوم بطريقة واحدة يتساوى فيها الجميع.
عن طريق الصوم يصبح الأغنياء يحسون بشكل مباشر بما يعانيه الفقراء المعسرون، ويدفعهم ذلك الاحساس الى مساعدتهم بالطريقة التي تحل مشكلة جوعهم.
قد يمكن إشعار الاغنياء بما يعانيه الفقراء عن طريق الكلام والمخاطبة ،ولكن القضية عندما تتخذ طابعاً حسياً ويقف الأغنياء الى جانب الفقراء ليحسوا بالجوع وليشعروا به فان احساس الاغنياء بمعاناة الفقراء وألآمهم يكون اشد واقوى وابلغ
.فالله يريد للناس ان يحسوا بالجوع ليفكروا ان هناك جائعين ،ليفهموا لسعات الجوع في مشاعر الجائعين ،ليعرفوا معنى الجوع،فإذا عرفوا معنى الجوع واحسوه وذاقوا طعمه استطاعوا ان يفهموا مشكلة الجوع من موقع الاحساس به وبشكل فعلي.
وهكذا اذا جاع الانسان فانه سوف يدرك ان هناك اشخاصاً يجوعون فيفكر فيهم كيف يحل مشكلة جوعهم؟ لأن المشكلة في الكثير من الناس انهم لا يصدقون ان هناك جائعين ،لانهم لم يعيشوا الحرمان في حياتهم، لكن عندما يشعرون بذلك بشكل حسي فانهم سوف يفكرون بالطريقة التي يعالجون فيها الحرمان
.اذن الصوم يمنح هذه المسالة الاجتماعية الهامة لوناً حسياً,ولذلك فقد جاء في الحديث ان هشام ابن الحكم سأل الإمام الصادق (ع) عن علة الصوم والحكمة من تشريعه؟ فقال (ع) : "إنما فرض الله الصيام ليستوي به الغني والفقير وذلك ان الغني لم يكن ليجد مسّ الجوع فيرحم الفقير وان الغني كلما اراد شيئاً قدر عليه،فأراد الله تعالى ان يسوي بين خلقه وان يُزيق الغني مسّ الجوع والألم ليرق على الضعيف ويرحم الجائع ".
واما الاثار الصحية للصوم، فان اهمية الامساك عن الطعام في علاج انواع الامراض ثابتة في الطب القديم والحديث، والبحوث الطبية لا تخلو غالبا من الحديث عن هذه المسألة لان العامل في الكثير من الامراض هو الاسراف في تناول الاطعمة المختلفة.
فالمعروف ان المواد الغذائية الزائدة تتراكم في الجسم على شكل مواد دهنية وتدخل هي والمواد السكرية في الدم ،وهذه المواد الزائدة تشكل ارضية صالحة لتكاثر انواع المكروبات والامراض ، وفي هذه الحالة يكون الامساك عن الطعام لفترة معينة افضل طريق لمكافحة هذه الامراض وللقضاء على هذه الرواسب في الجسم .
الصوم يحرق الفضلات المتراكمة في الجسم وهو في الواقع عملية تطهير شاملة للبدن، اضافة الى انه استراحة مناسبة لجهاز الهضم وتنظيف له ، وهذه الاستراحة ضرورية لهذا الجهاز الحساس والمنهمك في العمل طوال ايام السنة.
ومن هنا ينبغي على الصائم ان لا يكثر من الطعام عند الافطار وفي السحور كي تتحقق الاثار والفوائد الصحية لهذه العبادة، والا فقد تكون معكوسة .
العالم الروسي سوفورين يعدد اثار الصوم وفوائده على صحة الانسان فيقول : "الصوم سبيل ناجح في علاج امراض فقر الدم وضعف الأمعاء والالتهابات البسيطة المزمنة والدمامل الداخلية والخارجية والسل والروماتيزم وتناثر الجلد وامراض العين ومرض السكري وامراض الكلى والكبد وغيرها.
العلاج عن طريق الامساك لا يقتصر على الامراض المذكورة بل يشمل الامراض المرتبطة باصول جسم الانسان وخلاياه مثل السرطان والسفليس والسل والطاعون ايضاً.
ولاجل كل ذلك فقد ورد عن رسول الله (ص)انه قال : صوموا تصحوا .
وعنه (ص): المعدة بيت كل داء والحمية رأس كل دواء.
وهنا قد يتسأل بعض الناس ، اذا كان للصوم كل هذه الفوائد فلماذا لا نلمس ذلك في حياة بعض الصائمين؟ ؟ ولماذا لا نرى هذه النتائج الايجابية للصوم في حياة الصائمين؟
والجواب : ان هناك نماذج من الناس الذين يمارسون الصوم في مجتمعنا يعتبرون شهر رمضان فرصة ومجالاً للسهر والسمر واللهو البريء وغير البريء ، فلا نشعر ونحن في هذا الجو اننا نعيش في هذا الشهر العظيم الذي اعده الله ليكون فرصة ومجالاً لتهذيب النفس وتصحيح المواقف وتركيز الشخصية الاسلامية على اساس التقوى.
وهذه النماذج تتمثل في كثير من اولئك الذين يرتادون ما يسمى بالخيم الرمضانية والمقاهي التي جعلت من اجل ان يعيش الناس حياتهم في شهر رمضان لهواً وعبثاً بعيداً عن طاعة الله وبعيداً عن اهداف الصوم .
والكثيرون من هؤلاء الناس يصومون طيلة النهار عن الاكل والشرب واللذات الاخرى فإذا جاء وقت الافطار اندفعوا ليمارسوا تلك اللذات التي يحسبون انهم حرموا منها طيلة النهار فيحاولون التعويض عما فاتهم منها .
هؤلاء لا يصومون اساساً لان الصوم يرفع من انسانيتهم وقيمتهم ويطهر اجسامهم ويحرر ارادتهم.. وانما يصومون لاسقاط الواجب الذي لا يعرفون فائدته ولا يدركون وجه الحاجة اليه ،هؤلاء يصومون لان الصوم تحول الى عادة من عاداتهم التي يؤدونها في هذه الايام من كل سنة من دون ادراك لضرورتها ونتائجها وانعكاساتها على حياتهم الروحية والاجتماعية والصحية .
وفي مجتمعنا هذا، عندما ياتي شهر رمضان تتنوع المأكولات وتتميز عن بقية ايام السنة وتتعدد الموائد ويجد بعض الناس في ذلك فرصة طيبة للأكل وملء البطون من الاطعمة المتنوعة منذ اللحظة التي يحين فيها موعد الافطار والى اخر لحظة من طلوع الفجر.
ان وجود مثل هذه النماذج في حياتنا يعطينا فكرة عن كيفية ممارسة بعضنا لعبادة الصوم وكيف اننا بذلك نفقد قيمة الصوم وفوائده ونتائجه التربوية والصحية وغيرها .
ان شهر رمضان هو الفرصة التي جعلها الله لنا من اجل ان نحرر انفسنا من العبودية لبعضنا ومن العبودية لعاداتنا وشهوتنا ،ولو اننا مارسنا الصوم كما اراد الله لاستطعنا ان نحصل على كل فوائده واهدافه.
واخر دعوانا ان الحمد الله رب العالمين.