الحديث الرمضاني (12) - 13-4-2023
الشيخ دعموش في الحديث الرمضاني: النمط الاسلامي الحضاري للتعامل مع الجيران يشمل الجميع بمعزل عن أديانهم وانتماءاتهم من دون تمييز.
الحقوق والانماط والاساليب التي ذكرناه بالامس للتعامل مع الجيران ليست مختصة بالجيران المسلمين وانما هي تمثل النمط الاسلامي والانساني الحضاري للتعامل مع كل الجيران الساكنين ضمن دائرة الجوار المحددة، بمعزل عن أديانهم وطوائفهم ومذاهبهم واتجاهاتهم الاجتماعية والعائلية والمناطقية وبمعزل عن انتماءاتهم السياسية والحزبية وغيرها، فالجيران جميعا مسلمين ومسيحيين جنوبيين وشماليين ينتمون لهذه العائلة او تلك من اهل هذه البلدة او تلك ينتمون الى هذا الحزب او ذاك لهم ذات الحقوق ويجب ان يعاملوا نفس المعاملة وان نسلك معهم نفس السلوك من دون تمييز، فالجار المسيحي او الارمني او المسلم السني له نفس الحقوق التي للجار الشيعي بدون فرق او تمييز في نمط التعامل وفي حقوق الجيرة. (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ).
نعم قد يكون للمسلم مثلا حقوق اخرى غير حقوق الجيرة كحق الاسلام وحق الاخوة الايمانية لكن في حقوق الجيرة فان الجميع واحد ويعاملون معاملة واحدة على قاعدة حسن الجوار، ولذلك نجد ان النبي(ص) قسم الجيران الى ثلاثة أقسام بحسب حقوقهم.
فقد روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "الجيران ثلاثة، فجار له ثلاث حقوق وجار له حقان وجار له حق واحد، فأما الجار الذي له ثلاثة حقوق فالجار المسلم القريب، فله حق الجوار وحق القرابة وحق الإسلام، والجار الذي له حقان فهو الجار المسلم فله حق الإسلام وحق الجوار، والجار الذي له حق واحد، الكافر فله حق الجوار".
وهذا ارشاد وتنبيه من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لنا في أن لا نتهاون حتى في مسألة الجار الكافر فإن التعامل مع الجار الكافر بأخلاق الإسلام يقربه من الإسلام.
ومن المعروف ان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان يحترم جيرانه غيرالمسلمين ويزورهم في بيوتهم ويعود مرضاهم ويشارك في جنائزهم ويحافظ على مستوى من العلاقة معهم.
فقد روي : أَنَّ النَّبِيَّ (ص) كَانَ لَهُ جَارٌ يَهُودِيٌّ فَمَرِضَ، فَعَادَهُ رَسُولُ اللَّهِ (ص) ، وعَرَضَ عَلَيْهِ الشَّهَادَتَيْنِ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ فِي الثَّالِثَةِ: قُلْ مَا قَالَ لَك. فاسلم.(1)
وروي عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ (ص) فَقَالَ لَنَا: "قُومُوا بِنَا نَعُودُ جَارَنَا الْيَهُودِيَّ". قَالَ: فَأَتَيْنَاهُ، فَقَالَ لَهُ (ص): "كَيْفَ أَنْتَ يَا فُلَانُ؟"، ثُمَّ عَرَضَ عَلَيْهِ الشَّهَادَتَيْنِ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ فِي الثَّالِثَةِ: يَا بُنَيَّ اشْهَدْ. فَشَهِدَ ان لا اله الا الله وان محمد رسول الله، فَقَالَ النبي(ص) "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعْتَقَ بِي نَسَمَةً مِنْ النَّارِ". (2)
وورد في سيرته العطرة (ص) [أنَّ قَيْسَ بنَ سَعْدٍ، وَسَهْلَ بنَ حُنَيْفٍ، كَانَا بالقَادِسِيَّةِ فَمَرَّتْ بهِما جِنَازَةٌ فَقَامَا، فقِيلَ لهمَا: إنَّهَا مِن أَهْلِ الأرْضِ،(اي من اهل الذمة الذين كانوا من ابناء القادسية قبل فتحها) فَقالَا: إنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ مَرَّتْ به جِنَازَةٌ، فَقَامَ فقِيلَ: إنَّه يَهُودِيٌّ، فَقالَ: أَليسَتْ نَفْسًا. وهذه من أبلغ وأروع المواقف التي علمنا إياها رسول الله(ص) في احترام غير المسلمين حتى الموتى منهم.
وطبعا هذا التعاطي يستند الى ما قرره القران الكريم في معاملة غير المسلمين المسالمين سواء كانوا جيرانا او بعيدين، فقد سمح الله تعالى بالتعامل مع غير المسلمين المسالمين بالبر والمعروف والاحسان، فقال تعالى: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
اما المكاسب التي يمكن ان يحصل عليها الانسان من خلال حسن الجوار ومراعاة حقوق جيرانه فهي عظيمة منها.
زيادة العمر، وزيادة الرزق، وزيادة البركة في البيوت(عمران الديار) والتوفيق والتسديد لساكنيها وحصولهم على الخير.
فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "حسن الجوار يعمر الديار ويزيد في الأعمار".