الحديث الرمضاني(4) - مسؤولية الاهتمام بالمجتمع
الشيخ دعموش في الحديث الرمضاني: القاعدة التي تحكم علاقات المجتمع الإسلاميّ هي علاقة الاخوة الاسلامية.
قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾
ما هي مسؤوليات الانسان المؤمن تجاه البيئة الاجتماعية الاسلامية التي يعيش معها وبينها وما هو الاسلوب والنمط الذي يجب اتباعه مع الشرائح التي تتشكل منها البيئة الاجتماعية المحيطة بالانسان كارحامه واقرباءه او كجيرانه واصدقائه او كالشرائح المعدمة والمحتاجة فيها مثل الفقراء والمساكين والايتام والطبقات المعدومة او المتعثرة ؟؟ هل في الاساس هناك نمط خاص يجب سلوكه مع هذه الشرائح؟ وهل الاسلام حدد طريقة خاصة في التعاطي مع هذه الفئات داخل المجتمع؟.
البعض قد يتبع في حياته نمط اللامبالاة تجاه البيئة الاجتماعية اللامبالاة بحقوقها واللامبالاة بمشاكلها وهمومها واللامبالاة بحاجاتها ومتطلباتها وبالتالي لا يعتبر نفسه معنيا بالبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها!
هناك من قد لا يعتبر نفسه معنيا بالالتفات الى الشرائح المحيطة به، او ان لها حقوقا عليه، او انه عليه ان يحمل همومها ويساعدها ويهتم في معالجة مشكلاتها وازماتها والتخفيف من معاناتها والامها، قد يعتبر البعض ان مساعدة الشريحة المحتاجة مثلا في المجتمع والوقوف الى جانبها والانخراط في معالجة مشكلاتها وازماتها ليس من مسؤوليته بل من مسؤولية الدولة والهيئات والمؤسسات والجمعيات الرعائية والخيرية؟ قد يعتبر البعض انه ليس معنيا بجيرانه او انه ليس هناك من حقوق لهم عليه اصلا، فلا ينبغي مراعاتهم او الالتفات اليهم.
البعض يعيش لوحده ويعتبر انه مسؤول عن نفسه او اسرته في الدائرة الضيقة وان عليه ان يهتم بنفسه وعائلته، زوجته واولاده، اما الاخرون فلا علاقة له بهم ولا تهمه مشاكلهم وحاجاتهم وحقوقهم ولا ماذا لهم ولا ماذا عليهم، وانما عليه بنفسه، ولذلك البعض على النمط الغربي لا يتواصل حتى مع ارحامه واقربائه ولا يعتبر نفسه معنيا بهمومهم ومشاكلهم فضلا غن ان يكون معنيا بجيرانه وشريحة الفقراء والمحتاجين في المجتمع؟ وهذه هي الطريق الغربية فان نمط العيش في الغرب يقوم غالبا على انعدام الروح الاجتماعية، فليس هناك من تواصل حتى مع اقرب الناس، وليس هناك شعور بهموم الاخرين، وهناك اهمال حتى لحقوق الوالدين فضلا عن غيرهم. هؤلاء يعتبرون ان رعاية حتى الوالدين العاجزين هي مسؤولية الدولة ومؤسسات رعاية المسنين فيها، ولذلك فان الابناء لا يسألون حتى عن آبائهم عندما يكبرون ويعجزون. هذه هي طريقة التعاطي عموما في الغرب وفي المجتمعات التي تقلد الغرب وهذا نمط العيش عندهم.
اما نمط العيش في الاسلام فهو مختلف تماما من هذه الناحية ، فالاسلام نعم حدد قواعد للعلاقة مع الشرائح المختلفة في البيئة الاجتماعية، وهناك قواعد عامة تحدد مسؤوليات الافراد تجاه المجتمع ككل وهناك قواعد وطريقة تعاطي خاصة حددها الاسلام لكل شريحة فحدد اسلوب التعاطي مع الوالدين ونمط التعاطي مع الارحام وطريقة التعاطي مع الجيران وهكذا مع الاصدقاء والفقراء والمتعثرين والخ.. :
من القواعد العامة:
اولا: الاخوة الاسلامية، فالقاعدة القرآنيّة العامة التي تحكم علاقات المجتمع الإسلاميّ بشكلٍ عامّ هي علاقة الاخوة الاسلامية: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾. وانطلاقا من هذه القاعدة فقد جعل الإسلامُ كلَّ مسلمٍ مسؤولًا في بيئته الاجتماعيّة ومعنيا بمن يحيط به، معنيا بحقوقهم ومعنيا برعايتهم ومعنيا بهمومهم ومشكلاتهم وحوائجهم وطالما هو قادر على الرعاية والاحتضان والمساهمة في حل مشاكلهم وقضاء حوائجهم فان مسؤوليته الدينية والاخلاقية والانسانية تجاه المجتمع ان يقوم بذلك وان لا يتهاون او يتراخى او يعتبر نفسه انه ليس مسؤولا عن الاخرين ولذلك يقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». ودعا النبي (صلّى الله عليه وآله) إلى الاهتمام بأمور المسلمين، ومشاركتهم في همومهم وآلامهم ومعاناتهم والوقوف الى جانبهم ، فقال: «مَنْ أَصْبَحَ لَا يَهْتَمُّ بِأُمُورِ المُسْلِمِينَ، فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ ومن سمع رجلا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم » فالاهتمام بامور المسلمين والتحسس بآلامهم ومعاناتهم ومشاركتهم في همومهم وفهم مشاكلهم من صلب الاسلام، فلا يجوز ان ينطوي الانسان على نفسه ويعيش الانانية ولا يلتفت للآخرين.
المسلمون والمؤمنون كالجسد الواحد، فعن رسول الله (ص): مثل المسلمين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى .
ثانيا: الاسلام دع الى التعاون على البر والمعروف والتقوى بين افراد المجتمع فقال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾.التعاون قاعدة عامة ايضا ونمط عام يجب اتباعه من الفرد مع البيئة الاجتماعية .
وعن الامام الصادق (عَلَيهِ السَّلام) قال: سُئِلَ رَسُولُ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه): مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى الله؟ قَالَ: أَنْفَعُ النَّاسِ لِلنَّاسِ.
انطلاقا من هذه المسؤوليات العامة تجاه شرائح المجتمع فقد جعل الاسلام لكل شريحة قواعد وطريقة نعاطي خاصة فجعل للوالين وللارحام حقوقا وواجبات وللجيران حقوقا وللمحرومين والمحتاجين حقوقا، وعلى المسلمين والمؤمنين ان يراعو هذه الحقوق وان يتصرفوا مع ارحامهم والجيران والفقراء وفق ذلك بحيث يكون النمط في التعاطي مع المجتمع قائما على اساس تحمل المسؤولية وليس التهرب منها او التعاطي بلامبالاة كما يتعاطى ابنا المجتمع الغربي مع بعضه البعض. وهذا له علاقة بنمط العيش نمط العيش مع الارحام نمط العيش مع الجيران ونمط العيش مع الفقراء والمحتاجين من ابنا المجتمع وهذا ما سنتحدث عنه في الفرص القادمة ان شاء الله .