خطبة الجمعة 15-7-2022 - الغدير الدلالات والأبعاد
الشيخ دعموش في خطبة الجمعة 15-7-2022: المقاومة تواجه معركة مصيرية وترفض سياسة الابتزاز والمناورة.
أكد نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش أن "الإدارة الأمريكية التي تتبنى كيان العدو الصهيوني وتحاول تعزيز مكانته في المنطقة من خلال التطبيع، لا تزال تستهدف لبنان وشعبه وتمنع عنه كل ما يساعد على الخروج من أزماته أو التخفيف من معاناته"، مشددًا على أن "ما يفعله الأمريكي في لبنان لم يعد مجرد حصار وانما حرب مفتوحة لتدمير الدولة وتجويع اللبنانيين وقتلهم بالفوضى والانقسام والاقتتال الداخلي".
واعتبر الشيخ دعموش في خطبة اليوم الجمعة أن "مصير البلد بات مهددًا وعلى الجميع أن يتحمل مسؤوليته الوطنية في الحفاظ على بقاء لبنان وحياة اللبنانيين".
ورأى سماحته أن "المقاومة تقوم بدورها في مواجهة هذه المعركة المصيرية، وترفض سياسة الابتزاز والمناورة وتقطيع الوقت التي يتبعها الأمريكي والإسرائيلي مع لبنان، وتقدم المواقف والحلول الوطنية التي لا تحمي حقوق لبنان وثرواته النفطية فقط، بل تؤسس لإخراج لبنان من أزماته الاقتصادية والمعيشية"، مضيفًا: "إذا كان هناك من لديه حلول اخرى لما يجري فليتقدم بها، فالمسؤولية هنا وطنية ومصيرية ولم تعد تحتمل جدالات ونقاشات بيزنطية ولا مواقف ومماحكات لا فائدة منها".
نص الخطبة
نبارك لكم عيد الغدير في الثامن عشر من شهر ذي الحجة، وهو اليوم الذي نَصَّبَ فيه النبي الأعظم محمد المصطفى صلى الله عليه و آله بأمر من الله عزَّ و جلَّ علي بن أبي طالب عليه السلام خليفةً و وصياً و إماماً و ولياً من بعده.
وهذا الحدث التاريخي هو أهم حدث في الإسلام بعد حدث البعثة النبوية المباركة ونزول القرآن الكريم، لانه به اكمل الله الدين وأتم النعمة على المسلمين.
ولذلك يوم الغدير هو يوم جليل وشريف وفضيل وعظيم، وقد ذكرت الأحاديث الشريفة جوانب من عظمة هذا اليوم، ففي حديث عن الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام عن أبيه عن جده: " إِنَّ يَوْمَ الْغَدِيرِ فِي السَّمَاءِ أَشْهَرُ مِنْهُ فِي الْأَرْضِ".
وعن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: "وَاسْمُهُ فِي السَّمَاءِ يَوْمُ الْعَهْدِ الْمَعْهُود، وَ فِي الْأَرْضِ يَوْمُ الْمِيثَاقِ الْمَأْخُوذِ وَ الْجَمْعِ الْمَشْهُودِ"
وعن الامام الرضا عليه السلام: " وَاللَّهِ لَوْ عَرَفَ النَّاسُ فَضْلَ هَذَا الْيَوْمِ بِحَقِيقَتِهِ لَصَافَحَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ فِي كُلِّ يَوْمٍ عَشْرَ مَرَّات" .
ويوم الغدير هو يوم عيد، بل هو من أعظم الأعياد وأفضلها وأشرفها، وَهُوَ عِيدُ اللَّهِ الْأَكْبَرُ، وَمَا بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ نَبِيّاً قَطُّ إِلَّا وَ تَعَيَّدَ فِي هَذَا الْيَوْمِ ، لأنه يوم إكمال الدين و تمام النعمة.
فقد رُوي عن الامام جعفر بن محمد الصادق عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام أنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: "يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ أَفْضَلُ أَعْيَادِ أُمَّتِي، وَ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي أَمَرَنِي اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِيهِ بِنَصْبِ أَخِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام عَلَماً لِأُمَّتِي يَهْتَدُونَ بِهِ مِنْ بَعْدِي، وَ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي أَكْمَلَ اللَّهُ فِيهِ الدِّينَ، وَ أَتَمَّ عَلَى أُمَّتِي فِيهِ النِّعْمَةَ، وَ رَضِيَ لَهُمُ الْإِسْلَامَ دِينا ...".
وَعنْ الحسن بن راشد، عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) قَالَ : قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ لِلْمُسْلِمِينَ عِيدٌ غَيْرَ الْعِيدَيْنِ؟ قَالَ: "نَعَمْ يَا حَسَنُ أَعْظَمُهُمَا وَأَشْرَفُهُمَا ". قُلْتُ: وَ أَيُّ يَوْمٍ هُوَ؟ قَالَ: "هُوَ يَوْمٌ نُصِبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَ سَلَامُهُ عَلَيْهِ فِيهِ عَلَماً لِلنَّاسِ". قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ وَ مَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَصْنَعَ فِيهِ؟ قَالَ: "تَصُومُهُ يَا حَسَنُ، وَ تُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ تَبَرَّأُ إِلَى اللَّهِ مِمَّنْ ظَلَمَهُمْ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ كَانَتْ تَأْمُرُ الْأَوْصِيَاءَ بِالْيَوْمِ الَّذِي كَانَ يُقَامُ فِيهِ الْوَصِيُّ أَنْ يُتَّخَذَ عِيداً". قَالَ قُلْتُ: فَمَا لِمَنْ صَامَهُ؟ قَالَ: "صِيَامُ سِتِّينَ شَهْراً .. ". وفي حديث اخر: ومنْ صامهُ كان أَفضل منْ عملِ ستِّينَ سنة".
ولواقعة الغدير دلالات عميقة، وأبعاد مختلفة، أهمها:
1- إكمال الدين واتمام النعمة بولاية علي(ع)، كما قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾ فهذه الآية باجماع المفسرين والمؤرخين الا ما ندر، نزلت في واقعة الغدير التي حضرها أكثر من مئة وعشرين ألف شخص من مختلف الاتجاهات، وسبب نزولها هو إعلان الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله الولاية لعلي عليه السلام بقوله: «مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ؛ اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ، وعادِ مَن عاداهُ، وأحِبَّ مَن أحَبَّهُ، وأبغِض مَن أبغَضَهُ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ، وَاخذُل مَن خَذَلَهُ» ، وقال صلى الله عليه وآله: «اللّهُمَّ مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ، وعادِ مَن عاداهُ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ، وأعِن مَن أعانَهُ ».
2- تحديد القيادة الدينية والسياسية للامة بعد النبي(ص)، فالولاية هنا في قول رسول الله صلى الله عليه وآله: «مَن كنتُ مَولاهُ فعليٌّ مَولاهُ» معناها الإمامة والخلافة والقيادة التي كانت لرسول الله اي القيادة الدينية والسياسية وليس بمعنى الحب والمودة، فلا يعقل أن يحشد النبي صلى الله عليه وآله آلاف الناس في يوم شديد الحرارة ليبلغهم بوجوب محبة الإمام علي عليه السلام ومودته، وليقول لهم من كان يبني فعليه ان يحب عليا ومن كان يعيش المودة اتجاهي فعليه ان يعيش المودة اتجاه علي، فإن هذا الأمر وان كان مطلوباً الا انه لا يستوجب حشد لك هذا العدد من المسلمين في ذلك الموقع وفي تلك الاجواء الشديدة الحرارة ، فلا بد ان يكون هناك ما هو اهم من اعلان الحب والمودة لعلي، ان يكون هناك امر له اهميته الكبرى وله علاقة بمسقبل الاسلام والامة، ولذلك فان ما حصل في الغدير، وما حدث من مبايعة لأمير المؤمنين عليه السلام بالإمرة والإمامة والخلافة يدل على أن المقصود بالولاية هنا هو الامامة والقيادة والخلافة، حتى لا يكون بعد الرسول (ص) أي فراغ ديني او سياسي في الأمة ،وحتى يكون الأمر محسوم للإمام علي عليه السلام بعدما أمر الله رسوله بتبليغ هذا الأمر للناس كما في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾.
ومن الطبيعي ان يكون الإمام علي عليه السلام، في هذا الموقع فهو أعلم الصحابة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وأفقههم وأقضاهم وأفضلهم على الإطلاق، وهو الذي لازم رسول منذ طفولته واخذ عنه العلم والمعرفة وكان اول الناس اسلاما واعظم الناس جهادا حيث كان في مقدمة الصفوف وصاحب الراية في كل الحروب التي خاضها النبي(ص) ضد اعداء الاسلام..
فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: «أعلَمُكُم عَلِيُ بنُ أبي طالِبٍ».
وعنه صلى الله عليه و آله قال: «أعلَمُ اُمَّتي مِن بَعدي عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ». وقال صلى الله عليه وآله وهو يخاطب عليا عليه السلام: «أنتَ أقرَأُهُم لِكِتابِ اللّهِ عَزَّوجَلَّ، وأعلَمُهُم بِسُنَّتي»
وقد كان الخلفاء وكبار الصحابة والفقهاء يرجعون إليه في مسائل الفقه والقضاء عند استعصاء أي مسألة عليهم، واستشارته في الأمور الهامة، وقد أكدت على ذلك الكثير من النصوص، بينما لم يرد ولا نص واحد يشير إلى رجوع الإمام علي عليه السلام إلى غيره من الصحابة أو غيرهم.
فعلي هو أعلم الصحابة وقد قال الإمام عليّ عليه السلام عن علمه: «إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه وآله عَلَّمَني ألفَ بابٍ مِنَ الحَلالِ وَالحَرامِ، ومِمّا كانَ ومِمّا يَكونُ إلى يَومِ القِيامَةِ، كُلُّ بابٍ مِنها يَفتَحُ ألفَ بابٍ، فَذلِكَ ألفُ ألفِ بابٍ حَتّى عُلِّمتُ عِلمَ المَنايا وَالبَلايا وفَصلَ الخِطابِ .
3 - من دلالات واقعة الغدير الاقتداء والتأسي بأمير المؤمنين عليه السلام في أقواله وأفعاله وسلوكه، فلا يكفي الادعاء بولايته ومحبته والانتماء للتشيع دون الاقتداء والتأسي به قولاً وفعلاً.
ولذلك عندما جاء رجل للإمامُ الحسنُ عليه السلام وقالَ لَهُ:إنّي مِن شِيعَتِكُم. قال له الحسن: «يا عبدَ اللَّهِ، إن كُنتَ لَنا في أوامِرِنا وزَواجِرِنا مُطِيعاً فقد صَدَقتَ، وإن كُنتَ بخِلافِ ذلكَ فلا تَزِدْ في ذُنوبِكَ بدَعواكَ مَرتَبةً شَرِيفَةً لَستَ مِن أهلِها، لا تَقُلْ: أنا مِن شِيعَتِكُم، ولكن قُل: أنا مِن مُوالِيكُم ومُحِبِّيكُم ومُعادِي أعدائكُم، وأنتَ في خَيرٍ وإلى خَيرٍ».
وهناك العديد من الأحاديث الشريفة التي تعتبران الشيعي الحقيقي هو من يقتدي باهل البيت عليهم السلام ويعمل بما أمر الله به ، ويجتنب ما نهى عنه من محرمات وموبقات، فقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: «ما شِيعَتُنا إلّا مَنِ اتَّقى اللَّهَ وأطاعَهُ، وما كانوا يُعرَفُونَ إلّا بالتَّواضُعِ والتَّخَشُّعِ وأداءِ الأمانَةِ وكَثرَةِ ذِكرِ اللَّهِ».
وعن الإمامُ الصّادقُ عليه السلام: «شِيعَتُنا أهلُ الوَرَعِ والاجتِهادِ، وأهلُ الوَفاءِ والأمانَةِ، وأهلُ الزُّهدِ والعِبادَةِ، أصحابُ إحدى وخَمسينَ رَكعَةً في اليَومِ واللَّيلَةِ، القائمونَ بِاللَّيلِ، الصائمونَ بِالنَّهارِ، يُزَكُّونَ أموالَهُم، ويَحُجُّونَ البَيتَ، ويَجتَنِبُونَ كُلَّ مُحَرَّمٍ».
فمن يحب علياً ويواليه عليه أن يقتدي به في أقواله وأفعاله وسيرته، وإلا فإن مجرد الادعاء دون العمل والاقتداء به لا يعني شيئاً في ميزان الأعمال.
إن علينا أن نستذكر في ذكرى الغدير منهاج علي، وفكر علي، وقيم علي، ومبادئ علي، وأخلاق علي، ونأخذ منه ما نستطيع، فعلي يقول: الا وانكم لا تقدرون على ذلك ولكن اعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد.
اليوم الادارة الامريكية التي تتبنى كيان العدو الصهيوني وتحاول تعزيز مكانته في المنطقة من خلال التطبيع ، لا تزال تستهدف لبنان والشعب اللبناني وتمنع عنه كل ما يساعد على الخروج من ازماته او التخفيف من معاناته، بل ان ما يفعله الامريكي في لبنان لم يعد مجرد حصار وانما حرب مفتوحة لتدمير الدولة وتجويع اللبنانيين وقتلهم بالفوضى والانقسام والاقتتال الداخلي، وبالتالي اليوم مصير البلد بات مهددا وعلى الجميع ان يتحمل مسؤوليته الوطنية في الحفاظ على بقاء لبنان وحياة اللبنانيين .
المقاومة تقوم بدورها في مواجهة هذه المعركة المصيرية، وترفض سياسة الابتزاز والمناورة وتقطيع الوقت التي يتبعها الامريكي والاسرائيلي مع لبنان ، وتقدم المواقف والحلول الوطنية التي لا تحمي حقوق لبنان وثرواته النفطية فقط، بل تؤسس لاخراج لبنان من ازماته الاقتصادية والمعيشية ، واذا كان هناك من لديه حلول اخرى لما يجري فليتقدم بها ، فالمسؤولية هنا وطنية ومصيرية ولم تعد تحتمل جدالات ونقاشات بيزنطية ولا مواقف ومماحكات لا فائدة منها.