خطبة الجمعة 17-6-2022 - العلاقة بين الذنب والفساد
الشيخ دعموش في خطبة الجمعة 17-6-2022: من يتحمّل مسؤولية استمرار الأزمة ليست أميركا وحدها بل من ينتظر الحلول منها ويعمل على استرضائها.
أكد نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش أن "الفساد الموجود في البلد يتحمّل مسؤوليته الفاسدون وكل الذين دعموا الفاسدين ومكنوهم من السلطة وهم ليسوا أهلا لها ولا مؤتمنين عليها".
وفي خطبة الجمعة، اعتبر الشيخ دعموش أن "من يتحمل مسؤولية الانهيار والأزمة الاقتصادية والمالية وضياع أموال المودعين وتراكم أكثر من مئة مليار دولار دَين على لبنان هم الفاسدون وكل من يؤيدهم ويدعمهم وفي مقدمهم أميركا التي احتضنت الفاسدين في لبنان وأوصلتهم الى مواقع السلطة ومنعت المس بهم".
وأضاف: "مع استمرار الحصار والضغط الأميركي على لبنان وغياب الحلول والمعالجات والاستمرار في سياسة استجداء أميركا من قبل بعض المسؤولين، فإن الأزمة الاقتصادية والمعيشية مستمرة وهي تتجه نحو الأسوأ، ومن يتحمّل مسؤولية استمرار الأزمة ليست أميركا وحدها بل من ينتظر الحلول منها ويعمل على استرضائها أيضًا". ورأى أن "واشنطن لا تريد الحل في لبنان حتى الآن، وهي عقبة كبرى أمام العديد من المعالجات، والأزمة انما طالت وتعمقت بسبب الرضوخ للإرادة الأميركية، ولو أن المسؤولين اللبنانيين تجاوزوا الفيتوات الأميركية واستفادوا من الدول الصديقة للبنان التي عرضت المساعدة في العديد من الملفات كملف الكهرباء والنفايات والمواصلات والبنى التحتية وغيرها، لما وصلنا الى هذا المستوى من الانهيار".
ولفت سماحته الى أن "الأبواب ليست مقفلة أمام الحلول والمعالجات، فالحلول لا زالت ممكنة لكنها تحتاج الى إرادة وطنية جامعة والى تعاون وتضامن كل الحريصين على مصلحة البلد، والابتعاد عن المزيدات والمناكفات التي لا توصل الى نتيجة".
وختم الشيخ دعموش قائلًا: "إنّ مسار الحل يبدأ بالإسراع بتشكيل حكومة فاعلة تتحمل مسؤولية الانقاذ والحفاظ على ثروات لبنان النفطية، دون أن ترتهن للمواقف الأميركية التي لا تصب في مصلحة البلد".
نص الخطبة
يقول الله تعالى في كتابه الكريم:( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الروم:41.
المقصود بالفساد في الآية هو الفساد الأعمّ "الذي يشمل المفاسد الإجتماعية والسياسية والاقتصادية والمالية، وسلب النعم والبركات والخيرات، ووقوع البلايا والمحن والازمات التي تصيب المجتمعات والكيانات والدول.
فانعدام الامن الاجتماعي في المجتمع وانتشار عمليات السلب والنهب والسرقة والاعتداء على املاك الناس ، واستسهال ارتكاب الجرائم والقتل وتجارة المخدرات والتعاطي بها، والابتلاء بالفقر والبطالة والغلاء وانقطاع المواد الضرورية والابتلاء بالمشاكل والازمات الاقتصادية والمعيشية وسيطرة الاقوياء على الضعفاء وتولي الفاسدين ادارة الشأن العام وسيطرتهم على مقدرات الدولة كل ذلك هو من مصاديق الفساد الذي يصيب المجتمعات والدول .
وظهور الفساد في الأرض وفي الحياة العامة هو بسبب أعمال الناس وتصرفاتهم وسلوكهم وقراراتهم واجراءاتهم والسياسات الخاطئة التي يتبعونها (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس).
فالفساد ليس صنيعة الله ولا ينطلق من قضاء الله وقدره، بمعنى أنّ الأزمات الاقتصادية والمعيشية أو المشاكل الأمنية، أو المشاكل الاجتماعية او المشاكل الصحية لا تأتي بشكل مباشر من الله تعالى. فالبعض يعتقد أن الله هو الذي ابتلاه بالمرض أو الإفلاس او الفقر ، او هو الذي مكن الفاسدين والسارقين لينهبوا امواله او ليذلوه ويستضعفوه، بينما الواقع هو ان هذه الامور تجري باسبابها، والانسان من خلال اعماله وتصرفاته الخاطئة هو الذي يتسبب بها، الاخطاء والمعاصي والذنوب لها علاقة بالازمات والمشكلات التي تصيب الانسان، هي تأتي في معظم الحالات نتيجة المعاصي والذنوب والاخطاء التي يرتكبها الانسان، فأنت مرضت لأنه جرت عليك أسباب المرض، وأنت افتقرت لأنك لم تعمل ولم تسعى لتحصيل الرزق او انك لم تحسن ترشيد نفقاتك وادارتك لمالك، وانت وقعت تحت تاثير الفاسدين لانك لم تتحرك ضدهم وسكت امام جرائمهم ، وهذه الدولة او تلك انما وقعت تحت العجز والافلاس والازمات الاقتصادية والمالية لان المسؤولين فيها اتبعوا سياسات خاطئة ادت الى ذلك .
الدولة مثلا عندما تتخلى عن مسؤولياتها في مراقبة الاسعار والاحتكار ولا تتابع ولا تحاسب المحتكرين والمستغلين، او عندما لا تراعي الشروط الصحية ولا تراقب الظروف السلبية في الغذاء، فمن الطبيعي أن ترتفع الاسعار ويحصل الغلاء والاحتكار والاستغلال او تكثر الاوبئة والأمراض.
وايضا عندما تتبع الدولة سياسات اقتصادية خاطئة ولا يشعر قادتها بالمسؤولية ويرهنون الدولة للخارج ويفرطون بمواردها وثرواتها فمن الطبيعي ان تنهار وتستحكم فيها الازمات وتقع تحت مديونية كبيرة.
كذلك الفساد الأخلاقي، مثل الانحلال وعدم العفة وانتشار الفاحشة والزنا والمتاجرة بالنساء أو بالرجال أو الأطفال، والزواج المثليّ، وتعاطي المخدرات والمتاجرة بها والغش والاحتيال على الناس في المعاملات وغير ذلك من المحرمات والمنكرات التي تحصل في المجتمع انما هي بما كسبت ايدي الناس، لان الانسان عندما يتفلت من القيم ويبتعد عن الاخلاق ولا يلتزم بما امر الله ويتمرد على الله ويتخلى عن مسؤولياته في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصح الناس والعمل على هدايتهم وارشادهم ومنعهم من ارتكاب مثل هذه الاعمال والمحرمات فمن الطبيعي ان يعم الفساد في المجتمع.
هناك أناس يذهبون إلى الحج ويصومون ويصلّون، ومع ذلك فإنهم يبيعون الخمر والمحرّمات ويتعاملون بالربا ، بحجة أنه إذا لم يبع الخمر فلن يشتري منه أحد، او اذا لم يغش في المعاملة لا يحصل على الرزق(ما بتوفي معه) مع أن الله حرّم عليه ذلك، وجعل رزقه منحصراً في الحلال. وأنتم تعرفون أن الناس الذين يتاجرون بالحرام، أصبح لديهم أموال، ولكنهم مبتلون بالكثير من المشاكل.
والله تعالى يقول: (ظهر الفساد في البرّ والبحر) القرصنة في البحر(بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا) ليريهم نتائج اعمالهم ، فأنت تأكل ما تزرعه ، وعندما تصبح مبتلى بالفقر أو المرض فأنت تتذوق نتائج عملك (لعلهم يرجعون).
والفكرة التي تريد الآية ان تؤكدها هي ان هناك علاقة بين الفساد وبين الذنوب،وبين البلاءات والمصائب والازمات وبين ارتكاب الاخطاء والمحرمات، فالفساد مرتبط بالذنب وهو نتاج الذنوب التي يرتكبها الانسان، فالله يبتليه بالمصائب والازمات لعله يصحو من غفلته ويرجع الى الله، فحيثما ظهر الفساد فهو انعكاس لأعمال الناس وفيه - ضمناً - هدف تربوي، ليذوق الناس "طعم المر" نتيجة أعمالهم، لعلهم يستيقظون وينتهون ويعودون إلى رشدهم!
البلاءات والازمات والمشكلات والمصائب التي يبتلي بها الناس تصنعها أيدي الإنسان، يقول تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ )وهي كل بلاء يحدث للناس كل ازمة كل مشكلة، وليس فقد الأهل والأحباب والموت( فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ )فالمصيبة في صحتك ومالك وأوضاعك السياسية وغيرها تحصل من خلال عملك وما زرعت(وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ* وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ )مهما كنت قوياً فلست أقوى من الله( وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)الشورى:30-31.
ويقول تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ) كما كان الحال هنا في لبنان ( فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ ) فلم يشكروا لنعمة، وشكر النعمة هو أن تعمل فيها بما يحبّه الله ويرضاه( فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ )الأزمات الاقتصادية( وَالْخَوْفِ ) الحروب والمشاكل الامنية ( بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) النحل:112.
ويقول تعالى:(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)الأنفال:53، فتغيير النعم وتغير الحياة ومعيشة الانسان والانتقال من حالة الرخاء والبحبوحة الى حالة الطنق والضيق وفقدان النعم انما هي بسبب ما يصنعه الانسان ( بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) من الذنوب والمعاصي .
كل معصية وكل ذنب يترك أثره في الافراد وفي المجتمع، ويسبب نوعاً من الفساد في الحياة الإجتماعية او السياسية او الاقتصادية، فالذنب والعمل القبيح، وتجاوز القانون، هي مثل الطعام الفاسد والمسموم، فإنه يترك أثره في البدن شئنا أم أبينا، فينضر الإنسان به ويمرض ، كذلك الاعمال القبيحة فانها تترك اثرها بين الافراد وفي المجتمع وفي الحياة العامة، الكذب على الناس مثلا يفقدك ثقتهم فلا يعود يثق بك احد ولا يعتمد عليك احد، و"خيانة الأمانة" تخرب العلاقات الإجتماعية بين الناس، و"الظلم" يسبب إيذاء الآخرين وقهرهم، وسلب اموال الناس واكل حقوهم يفجر الاوضاع ويعمق الازمات ويراكم العداوات والاحقاد، وهكذا ..
والخلاصة، أن كلّ عمل غير صحيح له أثره السيّء سواء كان ذلك في دائرة محدودة أم واسعة.
ويستفاد من الروايات أنّ كثيراً من الذنوب - إضافة لما ذكرنا - تجلب معها سلسلة من الآثار السيئة، وعلاقتها وارتباطها بتلك الآثار غير معروفة.
فمثلا ورد في الرّوايات أن قطع الرحم يقصر العمر، وأن أكل المال الحرام يورث ظلمة القلب، وأن كثرة الزنا يورث فناء الناس ويقلل الرزق.
وفي الحديث عن الإمام الصادق(ع): "من يموت بالذنوب أكثر ممن يموت بالآجال".
وقد ورد في القرآن مثل هذا المعنى في تعبير آخر، حيث يقول تعالى: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون).
وهذه الاية تشير الى انه كما ان الذنوب والأخطاء لها آثارها ونتائجها السلبية والسيئة، فان الايمان والتقوى والصلاح والالتزام باحكام الله وتشريعاته لها آثارها الايجابية والطيبة، حيث البركات والنعم والخيرات والالطاف الالهيه وكما لا نعرف الربط والعلاقة بين الذنوب وآثارها فاننا قد لا نعرف ايضا العلاقة بين التقوى وبعض الطاعات وبين يركاتها وآثارها الايجابية.
وممّا يلفت الإنتباه أن آية(ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس..) يستفاد منها ضمناً أن الحكمة من كثير من الآفات والبلايا هي تأثيرها التربوي على الناس، إذ عليهم أن يروا نتائج أعمالهم.. ليفيقوا من نومهم وغفلتهم، ويعودوا إلى الطهارة والتقوى والصلاح والاصلاح وتصحيح السلوك والامتناع عن اتباع السياسات الخاطئة التي تسبب الفساد والازمات.
اليوم الفساد الموجود في البلد يتحمّل مسؤوليته الفاسدون وكل الذين دعموا الفاسدين ومكنوهم من السلطة وهم ليسوا أهلا لها ولا مأتمنين عليها.
من يتحمل مسؤولية الانهيار والأزمة الاقتصادية والمالية وضياع أموال المودعين وتراكم اكثر من مئة مليار دولار دَين على لبنان، هم الفاسدون وكل من يؤيدهم ويدعمهم وفي مقدمهم اميركا التي احتضنت الفاسدين في لبنان وأوصلتهم الى مواقع السلطة ومنعت المس بهم .
اليوم مع استمرار الحصار والضغط الامريكي على لبنان وغياب الحلول والمعالجات والاستمرار في سياسة استجداء امريكا من قبل بعض المسؤولين، فان الازمة الاقتصادية والمعيشية مستمرة وهي تتجه نحو الأسوء، ومن يتحمل مسؤولية استمرار الازمة ليست اميركا وحدها بل من ينتظر الحلول من اميركا ويعمل على استرضائها ايضا، فاميركا لا تريد الحل في لبنان حتى الآن، وهي عقبة كبرى امام العديد من المعالجات، والازمة انما طالت وتعمقت بسبب الرضوخ للارادة الامريكية ، ولو ان المسؤولين اللبنانيين تجاوزوا الفيتوات الامريكية واستفادوا من الدول الصديقة للبنان التي عرضت المساعدة في العديد من الملفات كملف الكهرباء والنفايات والمواصلات والبنى التحتية وغيرها لما وصلنا الى هذا المستوى من الانهيار .
اليوم الابواب ليست مقفلة امام الحلول والمعالجات، فالحلول لا زالت ممكنة لكنها تحتاج الى ارادة وطنية جامعة والى تعاون وتضامن كل الحريصين على مصلحة البلد، والابتعاد عن المزيدات والمناكفات التي لا توصل الى نتيجة، ومسار الحل يبدأ بالاسراع بتشكيل حكومة فاعلة تتحمل مسؤولية الانقاذ والحفاظ على ثروات لبنان النفطية دون ان ترتهن للمواقف الامريكية التي لا تصب في مصلحة البلد.