كلمة عاشورائية في الليلة الثالثة من محرم في مجمع السيدة خديجة(ع) في منطقة المصيطبة-بيروت 11-8-2021
عناصر الفلاح في الدنيا والاخرة
يقول تعالى: "قل إن الخاسرين الذين خسروا انفسهم واهليهم يوم القيامة، ألا ذلك هو الخسران المبين" الزمر/15.
(والعصر إن الإنسان لفي خسر الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"
الإنسان الذي لا يأخذ أسباب النجاح وبأسباب الفلاح التي تحدث الله تعالى عنها ، يبقى خاسرا، الانسان الذي يستسلم لشهواته ويستسلم لأطماعه ويستسلم لغرائزه ويستسلم للمادة ويخلد للارض، ولا يرتفع بروحه إلى السماء، وهذا إنسان يبقى يعيش الخسران في نفسه لأنه يظل محكوما لشهواته ولغرائزه، ويظل محكوما للذاته واسيرا لاطماعه ومصالحه وللدنيا، يخسر نفسه وحياته وآخرته.
الإنسان كل الإنسان يبقى خاسراً يخسر نفسه ويخسر حياته ويخسر آخرته، إذ لم يأخذ بعناصر النجاح، وإذا لم يأخذ بأسباب الفلاح.
وعناصر النجاح اربعة:
العنصر الأول: الايمان بالله، أن يؤمن الإنسان بالله وبكتبه ورسله وباليوم الآخر، الإيمان الشكلي: هو الإيمان الفارغ من مضمونه، الإيمان الفارغ من جوهره وابعاده الايمان الذي لا يترك اثرا في اخلاق الانسان وسلوكه وتصرفاته. مثل الإيمان الذي يتعارف عليه الناس عندما يصفون إنساناً بأنه مؤمن على أساس ما يطلق من كلمات وعلى أساس ما يقوم به من أفعال وأعمال: فلان مؤمن لأنه يصلي وفلان مؤمن لأنه يصوم وفلان مؤمن لأنه يحج ولأنه يخمس ومؤمن لأنه يتشهد الشهادتين وما إلى ذلك.
فالانسان الذي يعبد الله ولكنه في الوقت نفسه يخضع لغير الله، يحب الله، ولكنه يحب غير الله أكثر، يصلي لله، ولكنه لا يعيش روحية الصلاة ونتائج الصلاة، يصوم ولكنه لا يعيش روحية الصيام، يقرأ القرآن ويلعن الظالمين ولكنه يظلم ويعتدي ويأخذ ما ليس له فيه حق.
وهذا النوع من الإيمان هو ما تحدث عنه النبي(ص) عندما قال: (رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه). وتحدث عنه أمير المؤمنين(ع) عندما قال: (كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والظمأ. وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر والعناء). هذا النوع من الايمان هو ايمان شكلي وهناك الكثير من الناس المصلين والصائمين يعبدون الله عبادة شكلية ويمارسون الايمان والاسلام ممارسة شكلية خالية من اي مضمون فلا يترك الايمان أي اثر في حياتهم او في سلوكهم.
الايمان الحقيقي هو الخضوع المطلق أمام الله والتسليم المطلق له والطاعة المطلقة لأمره ونهيه بلا قيد ولا شرط.
الالتزام الفكري والعملي بما أمر به وبما نهى عنه وبكل ما شرعه للإنسان، وهو الاحساس الدائم بحضور الله وبرقابته عليك وعلى أقوالك وأفعالك وتصرفاتك.
الإيمان يعني ان نلتزم أمر الله، واذا حكم الله بشيء ان نلتزم حكمه، أن لا يكون لنا إرادة أو رأي أو خيار في مقابل إرادته ورأيه وحكمه.
كما قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ( في اية اخرى: (إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) الحجرات /15
الايمان الحقيقي هو الايمان الذي يغير في سلوك الانسان واخلاقه وتصرفاته. وهو الذي يدفع نحو العنصر الثاني اي العمل الصالح.
(فالعنصر الثاني) هو العمل الصالح: يعني الإيمان الذي يعبر عن نفسه لا الإيمان الذي لا يعبر عن نفسه، لأن الإيمان الذي لا يعبر عن نفسه هو إيمان لا قيمة له بل قدلا يكون إيمانا جديا، وعلى هذا الأساس نعرف أن الكلمة التي يتداولها الكثير من الناس عندما يقولون الإيمان بالقلب هذه الكلمة التي يحاولون من خلالها أن يعفوا انفسهم من المسؤولية وبالتالي يبرروا لأنفسهم كل شيء انتم مؤمنون نحن مؤمنون أكثر منكم لأن قلوبنا عامرة بالإيمان ولكن اجسادنا أيضا فارغة من العمل، نحن نحب الله كثيرا ولكننا نعصي الله كثيرا ونطيع بأعمالنا الشيطان كثيرا فأي إيمان هذا الذي يتحدثون عن وجوده في القلوب.؟
إذاً لا قيمة للإيمان إذا لم يتجسد في الممارسة ولم يتجسد في العمل ولم يتجسد في التحرك نحو مفاهيم الإيمان وأهداف الإيمان ولهذا ما من آية ذكر فيها الإيمان إلا وذكر فيها العمل الصالح، لأن العمل الصالح هو الذي يكمل شخصية الإنسان ويكمل كيانه.
وطبعا المقصود بالعمل الصالح هو كل عمل يرضاه الله سبحانه وتعالى مما ينفع الفرد وينفع المجتمع ويبني الحياة على اسس متينة.
كل الأعمال التي تنفع الناس وكل الأعمال التي ترفع من مستوى الناس في الإطار الذي أراده الله تعالى، ولهذا ذكر الله لنا آية من الآيات التي يضرب بها مثلاً(فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث بالأرض)، ليعرفنا أن علينا أن نتوجه إلى الأعمال الصالحة التي تنفع الناس ولا ينفع الناس إلا الأشياء التي تشارك في بناء روحهم وبناء فكرهم وبناء حياتهم على الأسس التي يريدها الله تعالى ليتحقق بذلك التوازن في الحياة.
العنصر الثالث: التواصي بالحق هذا هو العنصر الثالث الذي يكون عنصرا اساسيا في المجتمع وفي توازن المجتمع وتكامله لأن الإنسان قد يعمل بالحق بعد معرفة الحق، ولكنه قد يضعف إذا كانت الأجواء أجواء الباطل.
كما في هذه الظروف التي نعيشها في لبنان في هذه الأجواء اللاهية والأجواء العابثة والأجواء الفاسقة والأجواء الكافرة والأجواء الضالة.
هذه الأجواء التي يراد بها إبعاد الإنسان عن دينه وعن مبادئه وعن استقامته الاخلاقية، هذه الأجواء يحتاج إليها تواصي بالحق حتى لا ينسى الانسان الحق وحتى يظل ثابتا أمام الحق، فالإسلام اعتبر أن المجتمع إنما ينجح إذا كان افراده يوصي بعضهم بعضا بالحق.
لا تنسى الحق لا تضعف لا تستسلم لهذه الأجواء المغرية إبقى ثابتا وابقى قويا أثبت على مبادئك واثبت على إيمانك، فإذا أراد الإنسان أن يضعف وأن ينهار أمام الحق يأتي أخوه المؤمن ليوصيه بالحق ويذكره بالحق فيشعر حينئذ بالقوة ويشعر بأنه ليس وحده وإنما هو جزء من مجتمع يقوم على اساس الحق.
وبهذا يبفى الإنسان المؤمن ثابتا أمام التيار الجارف والطاغي الذي يجرف كل شيء أمامه ، هذا على المستوى الديني والاخلاقي.
(العنصر الرابع): التواصي بالصبر، ولعل الصبر يعتبر في الإسلام من أعظم الأعمال التي تبعث على نجاح المجتمع ومن اعظم الصفات التي يتصف بها الإنسان المؤمن. ولهذا جعل الله أجر الصابرين أجرا غير محدود مع العلم بأن لكل عمل أجره المحدود إلا الصبر فإن اجره غير محدود، وعندما تحدث الله عن الصابرين قال (إنما يوفي الصابرون اجرهم بغير حساب).
الإنسان قد يضعف عندما تصيبه مصيبة وقد يضعف أمام طاعة الله تعالى وقد يضعف أمام الشيطان عندما يحاول أن يغويه من اجل أن يرتكب المعصية قد يضعف امام التحديات والازمات فيأتي اخوه المؤمن ليوصيه بالصبر أمام كل هذه الأمور فيشعر حينئذ بالقوة ويشعر بأنه ليس وحيدا وإنما هو جزء من مجتمع يقوم على اساس الصبر
اليوم المقاومة في لبنان تواجه حملة شرسة من قبل الاعداء والخصوم في الداخل والخارج تشويه وتحريض واتهامات واكاذيب وافتراءات من موضوع خلدة الى الى انفجار المرفاء وصولا الى تحميل المقاومة مسؤولية الانهيار الاقتصادي والمالي وتردي الوضع المعيشي وهم يعلمون انهم يكذبون وان هذه المقاومة ليس لها علاقة بكل هذه الاتهامات لكن الهدف هو التاثير على بيئة المقاومة وضرب ثقة الناس بالمقاومة ليتخلى مجتمع المقاومة عن التمسك بهذا الخيار وليصل مجتمعنا الى ان يصرخ ويقول لا نريد بعد اليوم اي قتال واي مقاومة وهذا لن يحصل ابدا في مجتمعنا الواعي الحسيني الكربلائي المقاوم الابي نحن نثق تماما بشعبنا واهلنا ومجتمعنا الواعي الذي يملك بصيرة وفهما لكل ما يجري من احداث وازمات ونثق تما ان الذي اعطى دماءه وصبر وتحمل على مدى كل العقود الماضية لا يمكن ان ياثر بهذا المستوى من التجني ولا يمكن ان يستسلم للعدو
نقول لكل هؤلاء الذين يجتهدون في في اظهار احقادهم على المقاومة وعلى حزب الله قولوا ما شئتم واكذبو ما شئتم وارموا بكل احقادكم لكن اعلموا انكم لن تحصلوا الا على نتيجة واحدة هي الفشل والاحباط والخيبة كما في كل محاولاتكم السابقة ولن تتأثر المقاومة ولا شعب المقاومة بكل ذلك ابدا
هؤلاء يخفون فشلهم وضعفهم وافلاسهم وفسادهم بالافتراء على المقاومة وهم يعلمون ان الوضع المتردي في لبنان على المستوى المعيشي والمالي اسبابه المباشرة هي السياسات الاقتصادية والمالية الفاشلة والفساد السياسي والمالي والطبقة السياسية الفاسدة المدعومة امريكيا وسعوديا هذه المنظومة هي التي خربت البلد وانتجت للبنانين كل هذه الازمات بينما المقاومة هي التي ارض لبنان و حمت لبنان بجهاده وسلاحها وصواريخها وشهدائها وتضحياتها وستستمر في تحمل هذه المسؤولية ولن تغير ابواقكم الاعلامية والسياسية واحقادكم في مسارها ومواقفها على الاطلاق
اليوم المعالجة الصحيحة لمشكلة الانهيار المالي والمعيشي هي من مسؤولية الدولة وليس بامكان حزب الله او اي جهة اخرى ان تقوم مقام الدولة في تأمين الاحتياجات الضرورية من بنزين ومازوت ودواء وعذاء وكهرباء وان كنا نعمل بل ما في وسعنا للتخفيف من اعباء هذه الازمات وسنقوم بكل جهد ممكن للتخفيف من المشاكل المعيشية ونحن عند وعدنا في تأمين المازوت والبنزين والدواء وفي وقت قريب جدا انشالله لكن العبىء الاكبر والاساسي يقع على عاتق الدولة على الوزرات والمؤسسات الرسمية ولذلك الاولوية لدينا هي التعجيل في تشكيل الحكومة للقيام بهذه المسؤوليات
معالجة الوضع الإقتصادي والأزمات المتعددة التي يعاني منها المواطنون اللبنانيون، تستوجب الاسراع في تشكيل الحكومة، والمدخل الصحيح للخروج من دائرة المراوحة هو التنازل المتبادل عن المطالب والسقوف العالية وتجاوز الرغبات والعقبات التي تعرقل التشكيلفلا يصح البقاء في دائرة المراوحة والشلل على المستوى الحكومي بينما اللبنانيون في كل يوم يدخلون في المزيد من الأزمات والمعاناة المعيشية والحياتية