حديث الجمعة 7-5-2021 - القدس أقرب
[وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً، فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً, ثم رددنا لكم الكرَّة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً, إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا,عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا].
اليوم هو الجمعة الاخيرة من شهر رمضان وهو اليوم الذي اعلنه الامام الخميني رضوان الله عليه يوما عالميا للقدس الشريف.
والهدف من هذا هو ابقاء القدس وفلسطين حية في وجدان الأمة وثقافتها وأولوياتها وجهادها، وتسليط الضوء في كل عام، على هذه القضية المركزية، والتأكيد بان فلسطين كلها أرض محتلة مغتصبة، وإسرائيل كيان غاصب ومحتل، لا يجوز الاعتراف به ولا التسليم له ولا تقديم التنازلات اليه ويجب أن يزول من الوجود وأن تعود فلسطين كلها الى شعبها وأهلها، وأن الطريق الوحيد المتاح لاستعادتها هو طريق الجهاد والصمود والمقاومة، وهذا ما اشارت اليه الآيات الواردة في سورة الاسراء التي ذكرناها في بداية الحديث.
ففي هذ الآيات تأكيد واضح على ان القضاء على فساد بني اسرائيل وازالة احتلالهم للديار المقدسة والمسجد الاقصى، انما يكون بالجهاد والقتال والمقاومة وليس بالمفاوضات والتسويات والتطبيع، لان المعنى الاجمالي للآيات هو: أن بني اسرائيل سيرتكبون فسادين كبيريين يقود كل منهما الى الطغيان والعدوان والاحتلال والاستكبار في الارض، وان الله سينتقم منهم في الدنيا قبل الاخرة، فيسلط عليهم بعد كل افساد واحتلال عباداً لنا اي رجالا مؤمنين شجعانا اولى بأس شديد، يخوضون معهم معركة كبيرة، ينتصرون فيها عليهم، ويذلونهم بالقتل والأسر، ويذيقونهم جزاء فسادهم واستكبارهم، ويطهرون الأرض والمقدسات من إحتلالهم ورجسهم، ويجبرونهم على الرحيل من حيث أتوا.
وهذا الإخبار هو إخبار غيبي يدخل في جملة إخبارات القرآن الغيبية.. وهو دليل على صحة الإسلام، وصدق النبي (ص)، وحقانية القرآن، لأنه خبر صدر عند نزول القرآن قبل أكثر من ألف وأربعمائة وأربعين سنة، وسيتحقق وسنعاين ونشاهد ويشاهد العالم كله تحققه وصدقه إن شاء لله.
هذا الإخبار الالهي يوحي للمجاهدين والمقاومين ولعموم الناس المؤمنين بقضية القدس وفلسطين، بأن عليهم أن لا يصابوا باليأس والإحباط نتيجة الخيانات التي ترتكبها بعض الانظمة العربية بحق القدس وفلسطين من خلال التطبيع مع العدو الصهيوني، لان التطبيع لن يحمي اسرائيل من الزوال ولن يضمن لها مستقبلا في المنطقة.
هذا الإخبار يُفهمُ الناس أن عليهم أن لا يقعوا تحت تأثير وضغط العدوان والطغيان والاستكبار والعتو والإرهاب والوحشية الإسرائيلية، وان لا يستسلموا لاسرائيل وكأنه قدر واقع ، وان لا ييأسوا وهم يواجهون الجبروت الإسرائيلي والإرهاب الإسرائيلي والقتل والمجازر والتدمير الذي يرتكبه الاسرائيلي بحق الناس الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ، وأن لا يرعبهم ولا يخيفهم جبروتهم العسكري والأمني والسياسي والإعلامي وكل الإرهاب الذي يمارسونه، لان اسرائيل مهما علت وتجبرت فهي الى زوال.
الغلبة والنصر في هذه المعركة هو لمحور المقاومة و للمقاومين الشرفاء، المؤمنين المخلصين الصادقين، الذين لم يتخلوا ولن يتخلوا عن القضية والارض والمقدسات.
هذا وعد الهي لا خلف له، أكدته بشكل حاسم هذه الآيات المباركة، وهي تؤكد هذا الأمر (الغلبة على بني اسرائيل) في أكثر من ستين مؤكداً، يمكن ملاحظتها من خلال التأمل في الآيات.. والسبب في كل هذه التأكيدات هو أن الله يريد أن يقول بأن زوال اسرائيل حتمي، وأنه واقع لا محالة، وأنه غير قابل للتشكيك او التأويل او التردد او الاشتباه، وسيأتي ذلك اليوم لا محالة، لكنه يحتاج الى إعداد واستعداد وجهوزية وإرادة مقاومة، ويحتاج أن يتحمل العرب والمسلمون مسؤولياتهم تجاه القدس .
اليوم ومع تمادي الصهاينة في اعتداءاتهم على الشعب الفلسطيني وعلى القدس، وآخرها الاعتداء على حي الشيخ جراح في القدس الشرقية، فان الطريق الوحيد المتاح أمام الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة للحفاظ على الحقوق ولاستعادة القدس وفلسطين هو طريق الصمود والمقاومة.
وأياً تكن الظروف والأوضاع التي آلت اليها الأمة من ضعف ووهن وعجز، فإن ذلك لا يسوّغ التسليم للعدو والاعتراف بشرعيته والقبول به والتطبيع معه وإقامة علاقات طبيعية مع كيان لا يزال يعتدي في كل يوم على شعب أعزل.
اليوم الهدف الحقيقي والأهم والأساسي من التطبيع مع اسرائيل ومن الحملة التي تقودها بعض الانظمة الرجعية في المنطقة ضد ايران وحركات المقاومة في لبنان وفلسطين، هو تصفية القضية الفلسطينية، ودفع الشعوب للتخلي عن هذه القضية، لكننا نحن وأنتم وكل الأحرار لن نتخلى عن هذه القضية .
وعلى الانظمة الخليجية وكل أدوات أميركا وإسرائيل في المنطقة أن ييأسوا من إمكانية أن تتخلى شعوبنا وحركاتنا وقوانا الحية عن فلسطين وعن القدس وعن شعب فلسطين، وعن المقاومة مهما فعلتم، ومهما تآمرتم .
والمشروع الامريكي وكذلك المشروع التكفيري الذي تم انشاؤه لإشغال الشعوب عن فلسطين بفتن داخلية ولضرب المقاومة، هو في طريقه الى الزوال والإنهيار في المنطقة.
والمنطقة اليوم تشهد تغيرات وانجازات استراتيجية لصالح محور المقاومة، وباتت القدس أقرب من اي وقت مضى، اما المحور الاخر فهو في حالة ارتباك وبدأ يتضعضع ويتراجع، فليس هناك من خيار أمامه بعد فشل العقوبات والحصار وسياسة الضغوط القصوى وفشل سياسة المكابرة التي انتهجتها بعض دول الخليج مع جيرانها، سوى الرجوع الى الاتفاق النووي مع ايران ورفع العقوبات، والعودة الى الحوار والى حسن الجوار مع ايران، والتخلي عن المكابرة ومنطق العجرفة، وانهاء العدوان الظالم على اليمن، والذهاب نحو الحل السياسي مع سوريا.
وكل الذين كانوا يأملون ويراهنون على سقوط المنطقة بيد أمريكا واسرائيل وحلفائهما باتوا يعترفون بأنهم كانوا واهمين لأنهم اصطدموا بمقاومة قوية وخابت آملهم ورهاناتهم.
اليوم كل الوقائع السياسية والميدانية تؤشر الى تراجع المشروع الأمريكي الإسرائيلي السعودي التكفيري في المنطقة ، بينما في المقابل مشروع محور المقاومة بدأ يحصد ثمار ثباته وتضحياته وهو في تقدم مستمر ولديه تصميم على مواصلة المعركة حتى الحاق الهزيمة الكاملة بالمشروع الأمريكي الإسرائيلي وأدواته في المنطقة.