حديث الجمعة 2-4-2021 - وسائل التواصل والضوابط الاخلاقية
بالرغم من الإيجابيات العديدة لمواقع التواصل الاجتماعي واهمها التعلیم، وتسهيل التواصل بين الناس، ونشر المعلومات المفيدة، واكتساب المهارات والخبرات، الا ان هناك العديد من السلبيات والمخاوف والمشكلات الاخلاقية المرتبطة بهذه المواقع، لما لها من تأثیر على الواقع، ولما باتت تشكله من تأثيرات معرفیة وعاطفیة وأخلاقیة وسلوكية على العدید من مستخدمی هذه الشبكات، نتیجة سهولة وصول الناس إلى هذه الشبكات، وتدفق الافكار والمعلومات من دون قیود او شروط، وعدم التدقيق والتثبت مما ينشر، وغياب الرقابة، الامر الذي يستوجب اعادة النظر في طريقة استخدامنا لهذه الوسائل، ووضع معاییر ومبادىء وضوابط قانونیة وأخلاقیة تحكم طريقة تعاطي واستخدام الجمهور لهذه الشبكات.
ولعل من اهم المشكلات الاخلاقية والسلوكية الناجمة اليوم عن هذه المواقع، انتهاك خصوصیات الأخرین والإطلاع عليها دون علمهم أو أذن منهم، وفضح اسرار الناس وعيوبهم ، وانتشار خطاب الكراهية والتحريض، وانتشار الشائعات، وخراب الكثير من العلاقات الزوجية والاسرية ودمار البيوت .
فالكثير من الافكار المنحرفة والمعلومات غير الدقيقة والشبهات باتت تروج عبر هذه الوسائل وتسبب اهتزازا في ايمان وقناعات البعض لا سيما ممن لا يملك حصانة ايمانية ومعرفية قوية، كما ان العديد من مُستخدمي شبكات التواصل الإجتماعي من النساءوالرجال بات مدمنا على تصفّح المواقع في النهار والليل، مما ادى الى ازدياد المشاكل الزوجية داخل البيت والى تقصير المرأة في القيام بواجباتها تجاه زوجها والاولاد او تقصير الزوج كذلك وتراجع إنتاجيّته في عمله او عدم قيامه بواجباته الاسرية والإجتماعيّة ، كما ان هناك العديد من حالات الطلاق في مجتمعنا تحصل نتيجة خيانات كانت بدايتها من مواقع التواصل الإجتماعي، هذا فضلا عن الحوارات الساخنة او الساقطة التي تحصل حول بعض الأفكار السياسيّة والإجتماعيّة والدينيّة وغيرها، والردود المبتذلة على أي إختلاف بالرأي، ورفض الرأي الآخر، وتبادل الشتائم والقدح والذمّ، بدافع التشفي او الحسد او للتنفيس عن أحقاد أو عن عقد نفسيّة مُزمنة، وغير ذلك، كما اننا نلاحظ كيف يتم نشر الصور الشخصية بطريقة غير مناسبة من قبل مستخدمي وسائل التواصل لاسيما من قبل الفتيات، والحديث عن عيوب الناس واخطائهم واسرارهم وفضحها ونشرها، نتيجة خلافات عائلية او خلافات بين الجيران او الاصدقاء او الزملاءفي العمل.. الى غير ذلك من سلبيات كثيرة يقع فيها مستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي.
ولذلك ومن اجل تلافي مثل هذه السلبيات لا بد من التحلي بالاخلاق الاسلامية الاصيلة، والتباني على مجموعة من المبادىء والقواعد والضوابط الانسانية والاخلاقية والالتزام بها، واهمها:
1- التثبت من سلامة المعلومات التي ننشرها، وصدقها، والتأكد من عدم اثارتها لحساسيات طائفية او مذهبية او مناطقية او حزبية، وعدم نشر معلومات واخبار مفبركة وملفقة، وهذه الضابطة هي الضابطة الأخلاقية الأهم على صعيد نشر المعرفة أو المعلومة أو الخبر لدى الجمهور.
يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).
وويقول تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا).
2- أن یكون النقد الموجه للأشخاص أو الجهات او الاحزاب او غيرهم بناءا، وینطوي على مصلحة عامة للمجتمع، وليس بهدف النيل من هذه الشخصيات او الجهات، وعندما نريد ان ننتقد شخصية او جهة أيا كانت أن ینصب النقد على الآراء والأداء والعمل دون المساس بالامور الشخصیة، وبعيدا عن الشتائم والسباب والاهانات الشخصية.
3- عدم إنتهاك خصوصیات الناس والحديث عن دخائلهم واسرارهم عبر هذه الشبكات، فخصوصیات الناس سواء كانوا من اهل البيت او من الجيران او الاصدقاء او الزملاء في الوظيفة او الشركاء في العمل والتجارة او غيرهم، يجب احترامها وعدم العمل على انتهاكها، ومن ذلك: عدم الحديث عن سلبيات الناس وأخطائهم وعيوبهم واسرارهم او الحديث عن خصوصياتم وحياتهم الزوجية او العائلية، وكذلك عدم اختراق حسابات الآخرین أو محاولة اختراقها، وتجریم وعقاب الذین یثبت اختراقهم للحسابات الشخصیة، لما یمثله هذا السلوك من دناءة وتجاوز على حقوق وخصوصیات الآخرین، وكذلك عدم نشر صور مزیفة أو مفبركة، وعدم نشر صور أشخاص او عائلات بدون علمهم و موافقتهم، وعدم سرقة الصور من الحسابات ونشرها في حسابات أخرى، فان الإطلاع ونشر معلومات أو صور أو وثائق أو بیانات تعود للآخرین یتنافي مع أبسط القیم الاخلاقية والاجتماعیة، وقد يسبب للآخرين أذى مادیا أو معنویاً، وبالتالي فإن الحفاظ على هذا النوع الخصوصیة یساهم في الحفاظ على معلومات وأسرار الأشخاص وحياتهم الخاصة والحفاظ على حقوقهم.
4- التعامل بوعي من قبل الاسرة مع وسائل التواصل، فالأسرة ومؤسسات التنشئة الإجتماعیة الأخرى لها دور اساسي في توجیه الأبناء لكیفیة استخدام هذه الشبكات، فعلى الأسرة لا سيما الاباء والامهات والمدرسة ومؤسسات التعليم تنمیة الثقافة الإجتماعیة المناسبة للأبناء والاجيال في التعامل مع شبكات التواصل ، لان الحفاظ على اولادنا وبناء جيل واعي يتطلب متابعة دقيقة من قبلهم، فعلى الآباء والامهات مثلا: ان يقوموا باختیار الأنسب والأفضل لاستخدام أبنائهم لوسائل الإتصال، وان يقوموا بتوعیة أبناءهم بأن لا تبقى أجهزة وسائل التواصل معهم لساعات متأخرة في اللیل، وتحدید ساعات معینة من الوقت لاستخدام هذه الأجهزة، وخاصة في أوقات الدراسة والإمتحانات.
5- المحافظة على القیم الأخلاقیة من خلال اعتماد لغة تخاطب سليمة، وعدم الخروج عن الحدود الأخلاقیة والليقات اثناء التواصل، والمحافظة على الأداب العامة في التواصل والحوارات والنقاشات التي تجري عبر الشبكات من دون استخدام لغة السب والذم والشتم والقدح وتوجيه الاهانات، واعتماد الامانة والمصداقية عند نشر او نقل اي شيء.
6- التركیز على نشر الوعي لدى الشباب للاستخدام الأمثل لهذه الشبكات، ونشر القیم والأخلاق والدین، والتأكيد على تبادل ونقل المعلومات المفيدة التي ترفع من مستوى الوعي والمعرفة والثقافة لدى الناس، وتجعلهم اكثر ارتباطا بدينهم وبالقيم الاخلاقية والانسانية.