حديث الجمعة 8-1-2021 - كيف نتفاعل مع القرآن شكلا ومضمونا؟
ليس هناك كتاب سماوي اعظم من القران، فهو الكتاب الخالد الذي (لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)، وهو قبل أن يكون معجزة في الفصاحة والبلاغة، وقبل أن يكون كتاباً للقانون والتشريع الالهي، هو كتاب للهداية وللتهذيب وللتزكية وللتربية، ولصنع الانسان، ولبناء الانسان، ولبناء المجتمع والأمة.
ولذلك لا ينبغي ان يكون هناك ضعف في التفاعل معه، بل ينبغي ان نتعاهده وننظر فيه آناء الليل وأطراف النهار، وان نتفاعل معه شكلا ومضمونا، فكيف يكون ذلك؟
اولا: على مستوى الشكل، هناك مجموعة من الآداب التي ينبعي التقيد بها عندما نريد التعامل مع القرآن وهي التالية:
أ-ان نجعل القرآن الكريم في مكان لائق في المنزل او في المكتب او في المحل او حتى في المسجد بان نضعه في مكتبة مثلا او في مكان خاص في خزانة اوعلى طاولة او الرّف او ما شاكل، وان ننزهه عن ان يكون عرضة للتلف او الغبار والاوساخ فضلا عن النجاسات، وان لا نضع فوقه شيء، وان لا نرميه على الارض، حتى عندما نريد ان نقرأ فيه ان نضعه على مكان مرتفع ولا نضعه على الارض تعظيما له.
ب-أن لا نتكىء على المصحف، ولا نعتمد عليه، وان لا نمُدَّ أرجلنا إليه، وان لا نرمي به الى من نريد ان نناوله إياه، فان ذلك كله يتنافى مع تعظيم القران واحترامه.
ج-ان نكون على طهارة عندما نريد ان نقرأ فيه، فلا نقرأ فيه في حال الجنابة ، أو في حال الحَيض للنساء، فقد ورد استحباب الوضوء عند قراءة القرآن الكريم، ولا يجوز مس حروفه وآياته من غير وضوء وطهارة، قال تعالى: (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) الواقعة/ 79.
د-أن يكون المكان الذي يُقرَأ فيه القرآن مناسبا ولائقا، فلا تصح القراءة مثلا في مكان قضاء الحاجة، أو حال قضاء الحاجة.
ه-التوجه نحو القبلة، والجلوس باحترام وخشوع وسكينة ووقار حين القراءة.
و-تنظيف الفم قبل القراءة باستخدام فرشاة الاسنان او السواك، فقد رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) أنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ): "نَظِّفُوا طَرِيقَ الْقُرْآنِ".
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَ مَا طَرِيقُ الْقُرْآنِ؟
قَالَ: "أَفْوَاهُكُمْ".
قِيلَ: بِمَا ذَا؟
قَالَ: "بِالسِّوَاكِ" .
ثانيا: على مستوى المضمون، هناك العديد من الامور التي يجب ان نلتفت اليها وهي كالتالي:
أ-أن نقرأ القران في كل يوم وان لا نهجر قرائته، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا سلمان عليك بقراءة القرآن فان قراءته كفارة للذنوب، وستر في النار، وأمان من العذاب، ويكتب لمن يقرأه بكل آية ثواب مائة شهيد، ويعطى بكل سورة ثواب نبي، وينزل على صاحبه الرحمة ويستغفر له الملائكة، واشتاقت إليه الجنة، ورضي عنه المولى.
وان تكون القراءة بتؤدة وترتيل وخشوع لقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) الأنفال/ 2
ب- حفظ القرآن حفظ كله او حفظ بعض اياته وسوره، تأسيا بالنبي(ص) الذي حفظ القرآن وكان يراجعه جبريل عليه السلام في كل سنة.
فعن الامام الصادق (عليه السلام) يقول:"إنّ الرجل إذا كان يعلم السورة ثمّ نسيها أو تركها ودخل الجنّة أشرفت عليه من فوق في أحسن صورة فتقول: تعرفني؟ فيقول: لا ، فتقول: أنا سورة كذا وكذا لم تعمل بي وتركتني أما والله لو عملت بي لبلغت بك هذه الدرجة وأشارت بيدها إلى فوقها".
ج- التدبّر والتفكّر والتفهم لمعاني القرآن ومفاهيمه، فقد شجب القرآن الكريم أُولئك الذين لا يتدبّرون القرآن: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا) النِّساء/ 82. (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) محمّد/ 24.
وعن أمير المؤمنين (ع): «لا خيرَ في عبادة لا فقه فيها، ولا في قراءة لا تدبّر فيها».
د- اتباع القرآن والعمل بتعاليمه وبناء الشخصية على اساسه ، فالقراءة والتجويد والترتيل والحفظ وصولاً إلى التفسير والتدبر والتفهم لمعاني القرآن كلها مقدمة للعمل ومقدمة للسلوك وللالتزام، مقدمة لكي يصوغ الانسان نفسه وعقله وروحه وقلبه صياغة قرآنية، مقدمة لتتجسد فيه آيات وكلمات وتعاليم القرآن.
لذلك كما نهتم بالمقدمة وهي الحفظ والتجويد والتفسير والتعرف على المعاني والمضامين والعلوم والمعارف القرآنية، يجب أن نهتم بذي المقدمة، بالغاية الأساسية وهي بناء شخصيتنا على أساس القرآن، وأن نتبع القرآن ونمشي خلف القرآن لأنّه دليل الهدى ودليل الحق وطريق الفلاح والفوز والسعادة في الدنيا والآخرة.
يقول تعالى: "الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون".
فما هو حق التلاوة؟
سئل رسول الله عن معنى حق التلاوة؟ فقال: يتبعونه حقّ اتباعه.
اذن: حق الاتباع، اي الاتباع الحقيقي بأعلى درجاته ومراتبه؛ هو الذي ينبغي ان نلتزم به، لتكون شخصيتنا شخصية قرآنية منسجمة في أفكارها وأخلاقها وسلوكها ومواقفها وعلاقاتها مع القرآن وقيمه ومفاهيمه وتعاليمه وأحكامه وتشريعاته
ه- نشر تعاليم القرآن، فان العلم والمعرفة بحقائق القرآن كما هما مقدمة للعمل، هما مقدمة للنشر والترويج والتبليغ والتعليم والدعوة وإثارة الوعي.
وظيفة المؤمنين الذين يعرفون حقائق القرآن هي أن يعلموا القران للناس وينشروا مفاهيمه ابتداءا من دائرة الأسرة أي الزوج والزوجة والأولاد الى الدوائر الأخرى التي يؤثر فيها الانسان سواء كانوا أصدقاء أو جيران وابناء الحي والمنطقة أو المجتمع والأمة.
مسؤلية هداية الناس وتعليم قيم القران ليست مهمة العلماء والنخب فقط بل مسؤولية كل متعلم ولو كان ما يملكه من العلم محدودا ونسبته نسبة قليلة 10% أو 20% هذه وظيفة الجميع يقول تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ).
الانسان المتعلم الذي يكتسب شيئا من حقائق القرآن وعلومه ومعارفه عليه أن يبلغها للآخرين وهذه مسؤوليته.
يقول تعالى:( فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).
عندما نفهم كيف نتعامل مع القرآن شكلا ومضمونا، وعندما نتفاعل مع تعاليمه وقيمه واحكامه، نستطيع ان نصنع جيلا من الشباب المجاهد المؤمن الشجاع، المضحي والمقاوم.