خطبة الجمعة 21-2-2020 - شهر رجب والعمل النافع
الشيخ دعموش في خطبة الجمعة 21-2-2020: لاختيار الحلول والمخارج المالية العلمية المناسبة لمعالجة الأزمة.
رأى نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: أن الازمة الاقتصادية والمالية صعبة لكن أفق الحل ليس مسدودا، فهناك حلول ممكنة لكن تحتاج الى ارادة سياسية وقرارات واجراءات جدية، من دون مراعاة المتنفذين واصحاب المصالح الخاصة.
وقال: الجميع مطالب اليوم بالتعاون مع الحكومة التي أبدت حتى الآن نشاطا واهتماما في متابعة الملفات الملحة، لا سيما الملف المالي، بهدف ايجاد الحلول للاستحقاقات المالية والنقدية والاقتصادية، ومعالجة أزمة الدين، وأزمة المودعين مع المصارف.
واعتبر: ان المطلوب على هذا الصعيد اختيار الحلول والمخارج المالية والاقتصادية العلمية المناسبة التي تقتضيها المصلحة الوطنية لمعالجة الازمة، وبما يحفظ السيادة الوطنية، لا الحلول التي تحاول فرضها بعض الجهات عبر التهويل من اجل تحقيق مكاسب خاصة .
وشدد: على ان لبنان يجب ان يقتنص كل الفرص والعروض التي تقدم لمساعدته من قبل الاصدقاء والاشقاء طالما انها غير مشروطة ولا تجعل البلد رهينة او تحت وصاية احد، معتبرا ان على اللبنانيين والحكومة اللبنانية ان يرفضوا بشدة التحذيرات الامريكية المتعلقة بالعرض الإيراني لمساعدة لبنان وان لا يخضعوا لمحاولات الابتزاز الامريكي التي يراد منها جعل لبنان تحت الوصاية الامريكية.
نص الخطبة
بعد أيام قليلة يطل علينا شهر رجب الحرام ، وهو بداية اشهر النور الثلاثة رجب وشعبان وشهر رمضان، وهو شهر فضيل ورد في فضله ومكانته وعظمته روايات كثيرة ، كما ورد في أهمية العبادة والأعمال الصالحة فيه روايات كثيرة، ولذلك لابد من الحديث عن هذا الشهر من أجل الاستفادة من عطاءاته وبركاته والمعاني الروحية التي يحملها .
اولاً: في فضل ومكانة هذا الشهر: فقد ورد في الأحاديث المروية عن رسول الله وأئمة أهل البيت (ع) : ان رجب شهر الله العظيم وانه لا يقاربه شهر من الشهور، حرمة وفضلا ، وهو الشهر الأصب لأن الرحمة تُصب فيه صبّاً على أُمة محمد(ص)، وهو شهر أمير المؤمنين (ع) ، حيث ولد في اليوم الثالث عشر منه ، كما هو شهر الرسالة حيث بُعث رسول الله (ص) بالإسلام في السابع والعشرين منه .
ثانياً: في اهمية العمل الروحي والعبادي في هذا الشهر:
أ- فقد أكدت الروايات على فضل صيام ما أمكن من أيام هذا الشهر المبارك، والصوم هو من أبرز المستحبات المؤكدة في هذا الشهر والذين يتطلعون الى نيل الدرجات العالية عند الله والى الإرتقاء الروحي، والمعنوي، لا يكتفون بصيام شهر رمضان الواجب،يل يصومون في رجب وفي شعبان وفي غيرهما من الشهور.
فمن استطاع أن يصوم شهر رجب كله فقد نال النصيب الأوفى، وإلا فليصم نصفه أو ثلثه أو ربعه، او اول يوم وآخر يوم منه، ولا ينبغي أن يفوت الإنسان الصوم في شهر رجب، ولو يوماً واحداً.
فقد ورد عن رسول الله ،أنه قال : من صام رجب كله استوجب على الله ثلاثة أشياء ؛ مغفرة لجميع ما سلف من ذنوبه ، وعصمة فيما بقي من عمره ، وأمانا من العطش يوم الفزع الأكبر " فقام شيخ ضعيف فقال يا رسول الله : إني عاجز عن صيامه كله ، فقال رسول الله (ص) :" صم أول يوم منه فان الحسنة بعشر أمثالها ، وأوسط يوم منه ، ،وآخر يوم منه ، فانك تعطى ثواب صيامه كله ".
ب- أكدت الروايات على أهمية الدعاء الاستغفار والتوبة في هذا الشهر، فقد ورد عن النبي (ص) : أنه قال :"إنَّ الله تعالى نَصَبَ في السماء السابعة مَلكاً يُقال له (الداعي) فإذا دخل شهر رجب ينادي ذلك الملك كل ليلةٍ منه إلى الصباح : طوبى للذاكرين ، طوبى للطائعين ، يقول الله تعالى : أنا جليس من جالسني ، ومطيع من أطاعني ، وغافر من استغفرني الشهر شهري والعبد عبدي والرحمة رحمتي ، فمن دعاني في هذا الشهر أجبته ، ومن سألني أعطيته ، ومن استهداني هديته ، وجعلت هذا الشهر حبلاً بيني وبين عبادي فمن اعتصم به وصل إلي" .
وعن الإمام الصادق (ع) قال: قال رسول الله (ص) : " رجب شهر الاستغفار لأمتي ، فاكثروا فيه الاستغفار فانه غفور رحيم ، فاستكثروا من قول (استغفر الله وأسأله التوبة ) ".
ج- ومن الأعمال الروحية الهامة في هذا الشهر أيضا قراءة الأدعية الواردة في خصوص شهر رجب وأهمها: الدعاء في الصباح والمساء ،وبعد كل صلاة بالدعاء المشهور الذي أوله : يا من أرجوه لكل خير، وآمن سخطه عند كل شر ..
فان هذا الدعاء يتضمن مناجاة عظيمة، وعلى الإنسان أن يقرأه بتأمل ووعي, من أجل أن يدرك معانيه ومضامينه ودلالاته العظيمة, فإن الإنسان كلما قرأه بوعي وإدراك معانيه ازداد قرباً من الله سبحانه.
(يا من أرجوه لكل خير):
الإنسان يأمل من الله الخير دائما ولا يرجو من الله الا الخير ، فهو يهديه الى الخير ويمكنه من ان يحصل على الخير ويأمل أن يمنحه الثواب الذي يستحقه على أعماله النافعة والخيرة.
(وآمن سخطه عند كل شر):
وهذه مناجاة ثانية حيث يأمل الإنسان من الله انه إذا صدرت منه أعمال قبيحة أن يؤمنه الله عضبه وسخطه وعقابه لان عفوه ورحمته ورأفته بعباده اوسع من غضبه.
(يا من يعطي الكثير بالقليل):
الكرم الإلهي هو كرم واسع غير محدود، ولذلك فإن الله يقابل العطاء القليل والمحدود الذي يعطيه العبد في سبيل الله وفي طاعته بعطاء كثير ولا محدود، وعندما يقارن الإنسان بين أعماله القليلة التي يقوم بها لله وفي طاعته وبين عطاء الله سبحانه ونعمه وألطافه وكرمه وجوده سيجد أن ما يقوم به لا يساوي شيئاً أمام ما يمنحه الله للإنسان من ثواب وجزاء على أعماله القليلة، وأمام ما يجود به الله من نعم وخيرات على عبده [وإن تعدو نعمة الله لا تحصوها].
(يا من يعطي من سأله):
فإن الله يعطي من سأله ولو بعد حين إن كان صالحاً، فالعطاء لمن يسأل الله بقلب صادق ومخلص سيحصل حتماً، لكن قد تتأخر الاستجابة إلى أن يحين وقتها.
(يا من يعطي من لم يسأله ولم يعرفه تحنناً منه ورحمة):
لا يقتصر عطاء الله على من سأله وطلب منه حاجته بل إن الله بفعل رحمته ورأفته بعباده يعطي حتى من لم يسأله ومن لم يعرفه ولا يؤمن به أيضاً، ولذلك هو يعطي حتى الكفار والمشركين.. لكن يعطيهم تحنناً منه وتفضلاً ورحمة.
(أعطني لمسألتي اياك جميع خير الدنيا والآخرة واصرف عني جميع شر الدنيا وشر الآخرة):
أعطني جميع خير الدنيا وجميع خير الآخرة الذي تعلم انت انه خير لي ومصلحة لي في الدنيا وفي الآخرة.
أعطني ما هو خير لي لأنك أنت اعلم بما هو خير لي وبما ينفعني في الدنيا والآخرة.
قد يطلب الإنسان من الله أن يعطيه مالاً كثيراً أو ثروة كبيرة أو أن يجعله مسؤولاً أو في المنصب الفلاني أو الموقع الاجتماعي أو السياسي الفلاني.. ولكن الله لا يعطيه ذلك لأنه يعلم ذلك سيكون شراً له, يعلم مثلاً بأنه إذا كان صاحب مال كثير أو ثروة كبيرة فسوف ينفق ذلك في معصية الله, وانه إذا كان في الموقع الفلاني أو المنصب الفلاني فإنه سيطغى ويستكبر ويظلم الناس ويسلب حقوقهم, وبالتالي لن يكون ذلك خيراً له لا في الدنيا ولا في الآخرة, ولذلك فإن الإنسان يطلب من الله أن يعطيه ما يعلم انه خير له في الدنيا والآخرة.
(واصرف عني بمسألتي إياك جميع شر الدنيا وشر الآخرة):
يا رب امنع عني الشر والسوء الدنيوي والأخروي الذي تعلمه حتى لا يصيبني في الدنيا والآخرة.
(فانه غير منقوص ما اعطيت وزدني من فضلك يا كريم):
عطاؤك عطاء كامل وتام لا نقص فيه ولا عيب فيه.
( يا ذا الجلال والاكرام يا ذا النعماء والجود يا ذا المن والطول حرم شيبتي على النار):
لو أعطانا الله جميع النعم فلا فائدة منها ما لم يحرم أجسادنا على النار, ولذلك فان المؤمن يتوجه في نهاية الدعاء للطلب من الله بان يحرم أجسادنا على النار.
ثالثا: في اهمية العمل الصالح والعمل الخيري الاجتماعي في هذا الشهر: ففي هذا الشهر ينبغي ان يتوجه الانسان لقضاء حوائج الناس وان يسعى لمساعدتهم ومعونتهم على مواجهة صعوبات الحياة ، وان يبادر للتصدق بشيء من ماله وامكاناته ويتكفل بمساعدة الناس المحتاجين ، فان للصدقة في الأزمنة المباركة فضل واجر مضاعف, والصدقة لا تقتصر على المساعدات المالية للمحتاجين, بل تشمل كل ما فيه خدمة للناس التطبيب من الطبيب صدقة، تحصيل الحق المهدور صدقة بواسطة المحامي صدقة تعليمالمحتاجين بواسطة المعلم صدقة ترميم بيوت المنكوبين بواسطة المهندس صدقة وهكذا ..
إن مساعدة الفقراء والمحتاجين والقيام بمبادرات علىصعيد التكافل الاجتماعي والتخفيف من معاناة الناس خصوصا في ظل الازمة المعيشية التي يعيشها الناس تدل على صدق تديّن الإنسان، ولعله لذلك سمّيت صدقة من الصدق، بينما التجاهل لأوضاع المحتارجين، علامة على كذب ادعاء التدين، فلا يثبت للإنسان دين وإيمان مع إعراضه عن حاجات الضعفاء والفقراء، يقول تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ الماعون: الآيات 1 ـ 3.
وإذا كانت الصدقة مطلوبة في كل وقت، ولها نتائجها العظيمة على حياة الإنسان قبل آخرته، حيث إنها كما ورد في الأحاديث، تدفع البلاء وتزيد الرزق، وتطيل العمر، إلا أنها في هذا الشهر الكريم أكثر ثواباً وأعظم بركة.
والاخوة في شعبة محيط هذا المسجد لديهم لجنة للتكافل الاجتماعي تقوم بجمع التبرعات وتأمين المساعدات المختلفة للفقراء والمحتاجين في هذه الشعبة نأمل من أخواننا واخواتنا المؤمنين والمؤمنات التفاعل مع انشطة هذه اللجنة والمبادرة لمساعدتها ماليا وعينيا عبر الصناديق الخصصة لذلك من اجل تمكينها من مساعدة المحتاجين وقضاء حوائجهم ما امكن ففي ذلك ثواب عظيم انشالله.
نحن بحاجة الى مبادرات من هذا النوع لنخفف من حدة الازمة ولنواجه الضغوط المالية والاقتصادية التي يعيشها مجتمعنا.
اليوم الازمة الاقتصادية والمالية صعبة لكن أفق الحل ليس مسدودا فهناك حلول ممكنة لكن تحتاج الى ارادة سياسية وقرارات واجراءات جدية ، من دون مراعاة المتنفذين واصحاب المصالح الخاصة. والجميع مطالب بالتعاون مع الحكومة التي ابدت حتى الآن نشاطا واهتماما في متابعة الملفات الملحة لا سيما الملف المالي بهدف ايجاد الحلول للاستحقاقات المالية والنقدية ومعالجة أزمة الدين وأزمة المودعين مع المصارف. والمطلوب على هذا الصعيد اختيار الحلول والمخارج المالية والاقتصادية العلمية المناسبة التي تقتضيها المصلحة الوطنية لمعالجة الازمة وبما يحفظ السيادة الوطنية لا الحلول التي تحاول فرضها بعض الجهات عبر التهويل من اجل تحقيق مكاسب خاصة .
وعلى لبنان ان يقتنص كل الفرص والعروض التي تقدم لمساعدته من قبل الاصدقاء والاشقاء طالما انها غير مشروطة ولا تجعل البلد رهينة او تحت وصاية احد، وعلى اللبنانيين والحكومة اللبنانية ان يرفضوا التحذيرات الامريكية المتعلقة بالعرض الإيراني لمساعدة لبنان وان لا يخضعوا لمحاولات الابتزاز الامريكي التي يراد منها جعل لبنان تحت الوصاية الامريكية.