الشباب حيوية وعطاء
خلاصة الخطبة
رأى نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: أن الولايات المتحدة الأمريكية تنتقل بالمنطقة من حرب الى حرب ومن قتنة الى فتنة، وكلما فشل لها مشروع تنتقل الى مشروع آخر، وذلك كله من اجل الإستفراد بالمنطقة والسيطرة عليها وعلى مواردها وإخضاعها لإسرائيل.
وقال: اليوم بعدما فشل مشروع أميركا مع داعش في العراق وسوريا، وسقط الرهان الأمريكي السعودي على قيام كيان مذهبي في شرق سوريا وغرب العراق يحقق الفصل المطلوب بريّاً بين إيران وبين سوريا ولبنان، تلجأ الولايات المتحدة الى إحياء المشروع القديم الجديد، وهو تقسيم المنطقة على أساس عرقي وطائفي ومذهبي، وتحويلها الى دويلات متناقضة ومتصارعة تختلف على كل شيء، على الحدود والمياه والنفط والغاز والمعادن والثروات والموارد، بما يجعل من هذه الدول دولاً ضعيفة وغير مستقرة، ويوفر فرصة لأميركا واسرائيل للتحكم بهذه الدول والسيطرة عليها وإخضاعها للنفوذ والإرادة الإمريكية الإسرائيلية بشكل كامل، والبداية هي من كردستان العراق.
وشدد: على أن إجراء إستفتاء إنفصال كردستان العراق في هذا التوقيت والإصرار عليه رغم كل الضغوط الإقليمية، يجعلنا نعتقد بأن هذه الخطوة منسقة مع الأمريكي فضلا عن الإسرائيلي الذي يجاهر بتأييدها، وأن المطلوب إقامة كيان كردي يكون قاعدة لأميركا واسرائيل في مواجهة إيران، ومنطلقاً لتقسيم العراق الى كيانيين آخرين أحدهما شيعي والآخر سني، ومقدمة أيضا لتقسيم وتفتيت كل دول المنطقة على أساس اثني وديني ومذهبي، من تركيا الى ايران والسعودية وسوريا ولبنان وغيرهم، معتبراً: أن هذا المشروع لا يستهدف دولة دون أخرى ولا فئة دون أخرى، وإنما يستهدف كل هذه الدول بكل مكوناتها وأبنائها.
ولفت: الى أن مسؤولية كل الدول المستهدفة هي التعاون والتضامن والتكامل فيما بينها لمواجهة هذا المشروع الخطير، مؤكداً: أن المقاومة ودول محور المقاومة كما وقفت في مواجهة مشروع داعش والجماعات الإرهابية في المنطقة وتصدت له ووضعته على مسار الفشل والهزيمة، ستتصدى لهذا المشروع التقسيمي الذي يهدد مصير دول وشعوب المنطقة كلها وسيفشله إن شاء الله.
نص الخطبة
يقول الله سبحانه تعالى في محكم كتابه: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾. سورة الكهف، الآيتان 103 104.
مرحلة الشباب هي من المراحل المهمّة والحسّاسة في حياة الإنسان المؤمن، فهي مرحلة القوة والثبات في مقابل مراحل الضعف التي يمر فيها الإنسان، كما قال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةًيَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾ سورة الروم، الآية 54.
فهي مرحلة القوّة والشجاعة والثبات والحيوية والعطاء والنشاط والعمل والإنتاج التي تقع بين مرحلتي ضعف، مرحلة الطفولة وهي مرحلة ضعف وهي مرحلة لعب ولهو ومرح، ومرحلة الشيخوخة والهرم والعجز وهي مرحلة ضعف أيضاً.
المرحلة الأساسيّة والوحيدة التي يستطيع الإنسان فيها أن يركز وأن يبني شخصيته وينميها ويهذبها ويحفظها من الإنحراف أيضا هي مرحلة الشباب، وهذا كله يكشف عن أهمّيّة هذه المرحلة وخطورتها في حياة الإنسان المؤمن.
ولذلك ينبغي أن تستغلّ هذه المرحلة بشكل كبير، لأنّ لها قيمةً كبيرة، والعمر والشباب يمضي وينقضي مع مرور الأيّام، فينبغي للإنسان المؤمن أن يستغلّ هذا الوقت المتاح له في الدنيا، ليعمل ويجد ويكون كما أراد الله ، كي ينعم بالدنيا وينعم في الآخرة،وهذا ما دعا إليه الإسلام.
فقد أكّدت الروايات على هذه المرحلة، واعتبرتها المرحلة التي يجب على الإنسان أن يغتنمها بالخير والعمل الصالح، وترك المفاسد والمحرّمات والسيئات، فقد جاء في وصيّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي ذرّ أنّه قال: " اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ : شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ , وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ , وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ , وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلِكَ , وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ"
كما اعتبرت الروايات أن مرحلة الشباب هي المرحلة الوحيدة التي يسأل عنها الإنسان،ويطالب بما فعل فيها ، كيف كان سلوكه وكيف كانت أعماله وكيف كانت أخلاقه ومعاملته للناس وما هي مواقفه؟ وهل قام بما أوجبه الله عليه؟ كل هذا وغيره يسأل عنه الإنسان يوم القيامة، ويحاسب عليه بشكل تفصيليّ، فعن الإمام الكاظم عليه السلام عن آبائه عليهم السلام: قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تزول قدَمَا عبد يوم القيامة حتّى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وشبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين كسبه وفيما أنفقه، وعن حبّنا أهل البيت".الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص93
وقد أشار القرآن الكريم الى أهمية العمر وقيمته وإلى ضرورة الاستفادة القصوى منه، وأنّ العمر يضيع من يدي الإنسان بسرعة، بل قد تصل فيه المرحلة إلى الخسارة الكبرى، قال تعالى: ﴿وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾. سورة النحل، الآية 70.
والأرذل من الرذالة وهى الرداءة والقصود بأرذل العمر : سنّ الشيخوخة والهرم التي يشعر الإنسان فيها ببدء انحطاط القوى وضعف الإدراك ، وتبتدئ على الأغلب من سن الخمس والسبعين، ولذا فقد ورد في بعض الروايات أنّ من جاوز السبعين حيّاً فهو "أسير الله في الأرض"، نعم البعض قد يكون عمره بالثمانين ولكنه لا يزال يملك بنية قوية وحيوية ملفتة وهذا يختلف باختلاف الأمزجة والأجسام وغير ذلك.
فقبل أن يصل الإنسان إلى تلك المرحلة ، الى مرحلة العجز والضعف عليه أن ينقذ نفسه وأن يخلص نفسه ويتزوّد بالعمل الصالح ، لأنّه قد لا يستطيع أداء أيّ عمل ذي قيمة في وقت الشيب والضعف والمرض، ولذا فإنّ من ضمن ما أوصى به النبيّ(ص) أنّه " إغتنم شبابك قبل هرمك ".
والسؤال: أين نُفني أعمارنا؟
ينبغي ان نستغل اعمارنا في طاعة الله وتحمل المسؤولية والقيام بالتكاليف والواجبات وان نكون النموذج الصالح في المجتمع والأمة.
أهمّ ما في الدِّين هو أنّه يعطينا، حتّى في أشدّ الظروف والأوضاع الصعبة، الطمأنينة وهدوء النفس والاستقرار والسكينة والأمل والرجاء. ولا يوجد شيء في هذا الوجود يمكنه أن يمنح الإنسان هذا المستوى من الإطمئنان والسكينة في مواجهة التحديات والضغوط والمشاكل والصعوبات والمآسي والأحزان غير الدين.
يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ سورة الرعد، الآية 28.
أيّاً تكن المأساة والأحزان والمعاناة الّتي تعيشها بسبب ظروف شخصيّة أو اجتماعيّة أو اقتصادية أو معيشية أو سياسيّة أو أمنيّة أو تهديدات أو جوع أو فقر، وغير ذلك.. عندما تلجأ إلى الله سبحانه وتعالى، عندما تذكر الله سبحانه وتعالى وتعود إلى الله عزّ وجلّ، عندما تجلس بين يدي الله سبحانه وتعالى لمناجاته ولدعائه، يمكنك أن تشكو له كلّ آلامك ومعاناتك وصعوباتك وأحزانك ومآسيك. وهنا، أنت لا تتكلّم مع فقير مثلك، حين تقول له أنا فقير، أنت لا تشكو إلى مثيل لك ولا حتّى إلى قادر أو غنيّ محدود القدرة ومحدود الغنى، أنت تشكو إلى الله سبحانه وتعالى، وتتحدّث مع الله سبحانه وتعالى، وتلجأ إلى الله سبحانه وتعالى الغنيّ القادر العالم الّذي يعلم ما في أنفسنا، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، والذي إذا دعوناه وناجيناه وتوسلنا اليه استجاب لنا، يقول تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ سورة البقرة، الآية 186.
وعن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): لا تعجزوا عن الدعاء، فإنّه لم يهلك مع الدعاء أحد، وليسأل أحدكم ربّه، حتّى يسأله شسعَ نعله إذا انقطع، واسألوا الله من فضله فإنّه يحبّ أن يُسأل، وما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثمٌ ولا قطيعة رَحِم إلّا أعطاه الله تعالى بها إحدى ثلاث: "إمّا أن يعجّل له دعوته، وإمّا أن يدّخرها له في الآخرة، وإمّا أن يكفّ عنه من الشرّ مثلها، قالوا: يا رسول الله إذن نكثر، قال: الله أكثر".
المسؤوليّة الملقاة على عاتقنا لا سيما على الشباب في هذه المرحلة الصعبة هي أن نلجأ إلى الله سبحانه وتعالى، أن نتمسّك بديننا وثقافتنا وقيمنا في مواجهة الحرب الناعمة والغزو الثقافي، أن نثق بالله سبحانه وتعالى، أن نعرف أنّ أمامنا آمالاً كبيرة نحن قادرون على تحقيقها، أن نستعين بثقافتنا وتعاليمنا وقيمنا لنكون من أصحاب الأنفس المطمئنة الواثقة الشجاعة التي تملك عزما وارادة قوية. ونحن قادرون على تجاوز كلّ الأخطار والتحديات إذا تحمّلنا المسؤوليّة وكنّا من أصحاب الوعي والبصيرة والثقة بالله الذين يستعينون به على مواجهة التحدّيات، كما فعل مجاهدونا وشهداؤنا الذين ساروا على طريق كربلاء واستلهموا من شباب كربلاء من علي الأكبر والقاسم وغيرهما من الشباب الذين وقفوا الى جانب الحسين حتى الرمق الأخير الإيمان والثبات والإستعداد للتضحية من أجل الحق والدين، هؤلاء الذين تحلوا بالإيمان واليقين والصدق والإخلاص والإعتماد على الله وتركوا الدنيا وملذاتها وشهواتها وكل ما فيها وانخرطوا في المقاومة وتحملوا المسؤولية منذ البداية وضحوا وأعطوا حتّى الشهادة.
هؤلاء الذين قضوا زهرة شبابهم في المقاومة وقضوا ليلهم ونهارهم في سبيل الله، وقدّموا دمائهم في سبيل الله، وكانت حياتهم لله، وأوقاتهم لله، ودراستهم لله، وعملهم لله، ووجودهم كله لله سبحانه وتعالى، هم الذين حموا بلدنا ودافعوا عنه ومنعوا سقوطه بيد اسرائيل والإرهابيين وهم الذين حالوا دون سقوط كل المنطقة تحت الهيمنة الأمريكية الاسرائيلية.
اليوم الولايات المتحدة الأمريكية تنتقل بالمنطقة من حرب الى حرب ومن قتنة الى فتنة، وكلما فشل لها مشروع تنتقل الى مشروع آخر، وذلك كله من اجل الإستفراد بالمنطقة والسيطرة عليها وعلى مواردها وإخضاعها لإسرائيل.
واليوم بعدما فشل مشروع أميركا مع داعش في العراق وسوريا وسقط الرهان الأمريكي السعودي على قيام كيان مذهبي في شرق سوريا وغرب العراق، يحقق الفصل المطلوب بريّاً بين إيران وبين سوريا ولبنان، تلجأ الولايات المتحدة الى إحياء المشروع القديم الجديد وهو تقسيم المنطقة على أساس عرقي وطائفي ومذهبي وتحويلها الى دويلات متناقضة ومتصارعة تختلف على كل شيء، على الحدود والمياه والنفط والغاز والمعادن والثروات والموارد، بما يجعل من هذه الدول دولا ضعيفة وغير مستقرة ويوفر فرصة لأميركا واسرائيل للتحكم بهذه الدول والسيطرة عليها وإخضاعها للنفوذ والإرادة الإمريكية الإسرائيلية بشكل كامل، والبداية هي من كردستان العراق.
إجراء الإستفتاء في هذا التوقيت والإصرار عليه رغم كل الضغوط الإقليمية يجعلنا نعتقد بأن هذه الخطوة منسقة مع الأمريكي فضلا عن الإسرائيلي الذي يجاهر يتأييدها، وأن المطلوب إقامة كيان كردي يكون قاعدة لأميركا واسرائيل في مواجهة إيران، ومنطلقا لتقسيم العراق الى كيانيين آخرين أحدهما شيعي والآخر سني، ومقدمة أيضا لتقسيم وتفتيت كل دول المنطقة على اساس اثني وديني ومذهبي، من تركيا الى ايران والسعودية وسوريا ولبنان وغيرهم.
ولذلك هذا المشروع لا يستهدف دولة دون أخرى ولا فئة دون أخرى، وإنما يستهدف كل دول المنطقة بكل مكوناتها وأبنائها.
واليوم مسؤولية كل الدول المستهدفة التعاون والتضامن والتكامل فيما بينها وتجاوز خلافاتها لمواجهة هذا المشروع الخطير.
والمقاومة ودول محور المقاومة كما وقفت في مواجهة مشروع داعش والجماعات الإرهابية في المنطقة وتصدت له ووضعته على مسار الفشل والهزيمة ستتصدى لهذا المشروع التقسيمي الذي يهدد مصير دول وشعوب المنطقة وسيفشله إن شاء الله.
والحمد لله رب العالمين