العطاء في سبيل الله الحدود والجزاء
خلاصة الخطبة
الشيخ دعموش: الرهان على متغيرات في سوريا هو رهان على سراب..
استهل سماحة الشيخ علي دعموش إمام مجمع السيدة زينب (ع) خطبة الجمعة حديثه بقوله تعالى: [إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم] ـ التوبة ـ الآية/ 111.
وقال: هناك فئتان من الناس في التعامل مع الله من حيث العطاء والبذل وتقديم التضحية:
فئة تعطي لله وفي سبيله بحدود وتقدير..
وفئة تعطي لله كل ما اتاها الله بلا حدود ولا حساب ولا تقدير.
والفئة الثانية هي التي يقول الله عنها: [إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة] فكأن هؤلاء باعوا أنفسهم لله وقطعوا كل صلة لهم مع أنفسهم والثمن المقابل هو الوعد بالجنة.
واعتبر: إن هذه الفئة تعطي كل شيء لله انطلاقاً من وعيها بأنها ملك لله وأنها لا تملك في هذه الدنيا شيئاً وإنما هي وما تملك ملك لله سبحانه ولذلك فهي لا تتردد ولا تناقش ولا تجادل عندما يتطلب الواجب منها أن تعطي ما عندها في سبيل الله.
وقال الشيخ دعموش: إن الله يتعامل مع هاتين الفئتين بطريقة تختلف عن الأخرى من حيث الجزاء والحساب.
فالفئة التي تعطي لله بحدود وتقدير فان الله يعطيها من الأجر والثواب على حسناتها بحدود وتقدير وعندما يريد أن يحاسبها على سيئاتها فإنه يحاسبها حساباً عسيراً حيث يقول تعالى [وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حساباً شديداً] ـ الطلاق/ 8.
والفئة التي تعطي لله بلا حساب ولا حدود فإن الله يعطيها على حسناتها وأعمالها الطيبة أجراً بلا حساب ولا حدود ولا تقدير يقول تعالى: [ رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب] ـ النور / 37.
أما عندما يحاسبها على سيئاتها فإنه يحاسبها حساباً يسيراً فلا يطول وقوفهم بين يدي الله ولا يشدد عليهم وإنما يتساهل معهم ويتسامح ويعفو عنهم. يقول تعالى: [فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً] ـ الانشقاق ـ 7 ـ 8.
وقال الشيخ دعموش: إن كلا هاتين الفئتين كانتا في كربلاء إلى جانب الحسين (ع).
وقد مثل الفئة الأولى رجل اسمه الضحاك بن عبد الله المشرقي. ومن الفئة الثانية زهير بن القين واثنان وسبعون رجلاً من أصحاب الحسين (ع).
الضحاك عندما دعاه الحسين إلى إلى نصرته قال له: (إن عليّ ديناً ولي عيال ولكنك إن جعلتني في حل من الانصراف إذا لم أجد مقاتلاً، قاتلت عنك ما كان لك نافعاً وعنك دافعاً).
فقال له الحسين (ع): أنت في حل.
فهذا الرجل ليس مستعداً أن يضحّي مع الحسين كيفما كان وفي كل الأحوال وبكل شيء وإنما هو مستعد للتضحية بحدود وضمن شروط هو جاهز للتضحية بشرطين:
أولاً: أن يكون الحسين بحاجة إليه.
ثانياً: أن يكون قتاله إلى جانبه نافعاً.
والحسين (ع) ليس بحاجة إلى أمثال هؤلاء في حركته ونهضته هو بحاجة إلى الذين يضحون ويبذلون ويعطون كل شيء وبلا شروط وبلا حدود ولذلك خطب الحسين (ع) لما أراد الخروج من مكة إلى كربلاء وقال: (ألا من كان فينا باذلاً مهجته موطناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإني راحل مصبحاً إن شاء الله).
أما زهير بن القين فإنه عندما دعاه الحسين (ع) إلى نصرته انحاز إلى الحسين بلا حساب ولا تقدير وقطع كل علاقته بالدنيا وما فيها وقال لزوجته: الحقي بأهلك فإني لا أحب أن يصيبك بسببي إلا خيراً ثم قال لأصحابه (من أحب منكم أن يتبعني وإلا فإنه آخر العهد).
وكانت زوجته المؤمنة الصابرة والصالحة هي التي دفعته للالتحاق بالحسين (ع) وقالت له: نعم ما اختار الله لك ولكن لي عندك حاجة: أسألك أن تذكرني عند جد الحسين يوم تلقاه يوم القيامة.
هذا هو النموذج الذي خلد الثورة الحسينية وجعلها حية تتداولها الأجيال على مر التاريخ. هذا هو النموذج الذي صنع الانتصارات والإنجازات في لبنان في مواجهة إسرائيل والاحتلال. وهو النموذج المستهدف اليوم المستهدف فكرياً وثقافياً والمستهدف سياسياً من خلال استهداف المقاومة وخيار المقاومة ومشروع المقاومة
المشكلة اليوم هي في ان الفريق الآخر بأدائه السياسي يعطي فرصة لإسرائيل من أجل التمادي في التعدي على حق لبنان في استخراج النفط.
اليوم المشكلة هي في تعنت الفريق الآخر وإصراره على فرض الشروط ورهانه على متغيرات تحصل في الخارج وعدم امتلاكه حرية قراره..
ولذلك هو يرفض تشكيل حكومة يتساوى الفريقا الاساسيان ويعطلون المجلس النيابي يعرقلون عقد جلسة حكومة لبت الحدود البحرية والاستثمارات النفطية ويتخذون العديد من المواقف السلبية التي لا تخدم مصلحة لبنان.
لماذا هدر الوقت وإضاعة مصالح اللبنانيين؟
لمصلحة من ترك البلد بلا حكومة؟
لقد بات واضحاً أن أي رهان على متغيرات في الخارج ولا سيماعلى الوضع السوري هو رهان على سراب.. فالأمور تتغير في المنطقة وفي سوريا على خلاف أهواءكم وما تشتهون...
والبلد في كل الأحوال ومهما كانت المتغيرات والظروف لا يحكم بالاستئثار ولا بإلغاء الآخر...
لذلك نحن نكرر الدعوة إلى شراكة حقيقية وتشكيل حكومة تحقق هذه الشراكة على قاعدة 6-9-9، وهي دعوة منصفة لأنه ليس هناك من إنصاف أكثر من أن نتساوى مع بعضنا البعض.
ولذلك فلا داعي للمماطلة ولا لاضاعة الوقت ولا لتفويت الفرص المتاحة.
والحمد لله رب العالمين