الرفق واللين منتهى الآخلاق
خلاصة الخطبة
رأى نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة:أن الإنتصار الذي حققته المقاومة الى جانب الجيش ضد النصرة في جرودعرسال هو أكبر وأعظم من أن تستطيع السعودية وأبواقها تشويهه أو التشويش عليه .
وقال: إن السعودية ومن خلال وسائل إعلامها وأبواقها مصرة على جعل معركة المقاومة وحزب الله ضد جبهة النصرة وداعش والإرهاب التكفيري في لبنان حربا طائفية، بهدف شد العصب، والتحريض على إحداث فتنة بين اللبنانيين، وتشويه صورة حزب الله والمقاومة، والتشويش على الإنتصار والإنجاز الكبير الذي حققته المقاومة الى جانب الجيش ضد إرهابيي النصرة في جرودعرسال.
وأضاف: من يحرض طائفيا هو الوهابية التي تصدر الكتب المشحونة بالحقد المذهبي، وتطلق فتاوى التكفير على ألسنة مفتيها وكبار مشايخها، وتنشر الكراهية في العالم الاسلامي، وتكفر الشيعة وتحرض على قتلهم، بل وتقتلهم كما في هو حاصل في بلدة العوامية في المنطقة الشرقية من السعودية .. حيث أظهرت بعض المشاهد المسربة حجم الدمار والخراب والقتل الذي ارتكبه النظام السعودي بحق أهالي هذه البلدة المحاصرة والمعزولة ، وقد شاهدنا وشاهد العالم كيف أن قوى الأمن السعودي يحتفلون ويرقصون فرحاً لأنهم استطاعوا أن يقتلوا النساء والأطفال والعزل في أحياء العوامية وأن ينتصروا على مساجدها وحسينياتها ودور العبادة فيها ويدمروها.
وشدد الشيخ دعموش: على أن ما يجري في العوامية إنما يحصل أمام أنظار العالم ولا أحد يستطيع أن ينفي علمه بما يحصل فيها ، معتبراً: أن ما يجري هو إبادة وتدمير كامل لهذه البلدة وعلى الامم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان ومنظمة التعاون الاسلامي أن يتحركوا ليوقفوا هذه المجزرة والا فهم متواطئون وشركاء في القتل والجريمة.
نص الخطبة:
من الخصال الأخلاقية التي يجب أن تحكم سلوكنا عندما نتعامل مع الآخرين: اللين،والمرونة، والرفق بالآخرين ومداراتهم.
وهي كلها صفات تحمل معنى واحداً، ومدلولاً واحداً، ومغزى واحداً، ومعناها: أن يكون الشخص عندما يتعاطى مع الآخرين هَادِئاً ، لَطِيف الْمُعَاشَرَةِ، نَاعِماً، لَيِّنَ الطَّبْعِ، سهل التعامل ، سَلِس الخُلُق، سَمْحاً، وليس فظاً أو غليظاً أو قاسياً أو شديداً أو صعباً أو حاداً.
أن يكون ليّنَ الجانب بالقول، والفعل، وأن يداري الناس، ويأخذ الأمور بلطف ويسر بعيداً عن التعقيد والعربسة.
ومعنى أن يكون الإنسان رفيقاً ولّين الجانب بالقول: أن يكون هادئاً في كلامه، اذا تحدث مع الناس يتحدث بهدوء وبلطف وصوت منخفض عادي، وليس بصراخ أو بعجرفة أو تكبر واستعلاء،او بطريقة يهين فيها الشخص الآخر ويجرح فيها مشاعره واحاسيسه وكرامته خصوصا أمام الآخرين وبحضورهم، على الانسان أن ينتقي كلماته ولا يقول جزافاً أو فحشاً أو كلاماً بذيئاً أو مُهيناً، لأن البعض قد يسترسل بالكلام فيتحدث بكل ما يخطر في باله وبكل ما يمر على لسانه حتى ولو كان بذيئاً أو غير مناسب خصوصا اذا غضب وانفعل وثارت أعصابه أو ضاق صدره.
حتى عندما يريد أن يواجه خصومه وعدوه ، عليه أن يكون ليناً عندما يكلمهم أو يدعوهم الى شيء، كما قال الله تعالى عندما أرسل موسى وهارون الى فرعون الطاغية والمستكبر والمستعلي والجبار الذي كان يقول: أنا ربكم الأعلى فقد قال الله تعالى لهما: ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ،فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى.(
ولين الجانب بالفعل: يعني عندما يتعامل الشخص مع الناس يتعامل معهم ويتصرف بهدوء ولطف، وليس بشدة وعنف، يكون سلساً مع الناس، سهل التعامل، ويبتعد عن التهديد والتعنيف والتخويف والترهيب والضرب وإيذاء الناس أو رفع السلاح أو اطلاق النار، حتى لو أخطىء أحدهم أمامه، أو أساء اليه أحد، أو استفزه أحد، يكون سمحاً وليس عنيفاً يبادر فوراً الى فعل فيه شدة وغلظة.
لأن البعض قد يكون عنيفاً فيعتدي ويضرب ويكسَر، وقد يسحب السلاح في وجه الآخرين ويطلق النار، ويتحول الى شخص شرير في بيته ومع جيرانه وفي الشارع، يرعب الناس ويخيفهم، وهذا لا يجوز، فان من أقبح وأبشع الأعمال التي يرتكبها الانسان هو أن يتحول بأعماله وتصرفاته وسلوكه الى إنسان شرير تخافه الناس وتهابه لشره وقساوته وعدوانيته.
الإنسان العاقل فضلا عن المؤمن الملتزم يجب أن يكون لينا في القول والفعل والسلوك والممارسة العملية.
وقد روي عَنِ النَّبِيِّ (ص) أنه قَالَ: حُرِّمَ عَلَى النَّارِ كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ قَرِيبٍ مِنَ النَّاسِ.
هكذا ينبغي أن يكون الإنسان عندما يتعامل في داخل بيته مع زوجته وأولاده،هيناً ليَناً سهلاً سلساً متسامحاً هادىء الطبع يرفق بهم ولا يكون حادا أوعنيفاً معهم، وهكذا يكون عندما يتعامل مع أقربائه وأصدقائه وأصحابه وجيرانه وأبناء مجتمعه، وهكذا يكون مع شركائه وزملائه في العمل، وهكذا يتعامل مع أبناء دينه وطائفته ومذهبه ومع غيرهم ممن هم ليسوا على دينه ومذهبه، وهكذا يكون حتى مع أعدائه وخصومه عندما لا يقتضي الموقف فعلا عنيفا، لأن البعض قد يظن بأن من هو على غير دينه يمكنه أن يضر به ويقسو عليه ولا يتعامل معه باحسان أو يرفق به، ولكن هذا غير صحيح فالله تعالى يقول: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ, إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. فالتعامل برفق وبعدل وانصاف واحسان مطلوب حتى مع من تختلف معه في الدين او الطائفة او في التوجهات السياسية، فلا بد أن يكون المؤمن مع هؤلاء جميعاً ليَناً ومرناً ورحيماً ومتسامحاً.
وهكذا ينبغي أن يكون المؤمن أيضاً عندما يدعو الناس الى الله، او عندما يأمر بالمعروف وينهى عن النكر، أو عندما يريد أن يعلم الآخرين أو ينصحهم ويرشدهم، أن يكون اسلوبه وطريقته ومنهجه في التعامل مع كل الناس، الرفق واللين وليس الشدة والعنف والقسوة.
وهذه الصفة صفة اللين والرفق هي من الصفات العظيمة، وهي تدل على وجود الرحمة في قلب الإنسان، لأن الرحمة هي التي تدفع الإنسان كي يكون ليناً ومرناً ورقيقاً يرفق بالناس ويتعامل معهم بلطف ومودة.
وقد كانت هذه الصفة من أبرز صفات النبي(ص) الأخلاقية والسلوكية التي كان يتعاطى بها مع الناس والتي استقطب من خلالها الناس اليه والى رسالته.
ورحمة النبي(ص) هي التي دفعته الى هذا السلوك. يقول الله مخاطباُ نبيه(ص)﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُم ْولَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ﴾. ويقول سبحانه مخاطبًا رسوله أيضاً): وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ(الشعراء: 215
هذا الخلق نتعلمه من نبي الرحمة (ص) الذي كان الرفق واللين عنده سلوكاً ومنهجاً يتعامل به مع الجميع.
فقد دخل أعرابي في الإسلام وجاء ليصلي مع النبي(ص) في المسجد، فوقف في جانب المسجد، وتبول، فقام إليه الصحابة، وأرادوا أن يضربوه، فقال لهم النبي (ص): (دعوه، وأريقوا على بوله ذَنوبًا من ماء (دلو كبير)، فإنما بعثتم مُيسِّرِين، ولم تبعثوا مُعَسِّرين).
وفي قصَّة أخرى: عن أنس بن مالك قال: كنت أمشي مع رسول الله (ص)، وعليه بردٌ نجرانيٌّ غليظ الحاشية(كساء يلتحف به يشبه القميص)، فأدركه أعرابيٌّ، فجبذه (أي جذبه وشده) بردائه جبْذَةً شديدةً، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله (ص) قد أثَّرت بها حاشية البُرْد مِن شدَّة جَبْذَته(العاتق ما بين المنكب والعنق أي ظهر الكتف) ، ثمَّ قال:يا محمَّد! مُرْ لي مِن مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله (ص)ثمَّ ضحك، ثمَّ أمر له بعطاء.
هذا هو اللين والرفق والتسامح .. وهذه هي الصفة التي يصف بها الامام الحسن(ع) رسول الله(ص): كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (ص)دَائِمَ الْبِشْرِ ، سَهْلَ الْخُلُقِ ، لَيِّنَ الْجَانِبِ ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلا غَلِيظٍ ، وَلا صَخَّابٍ وَلا فَحَّاشٍ .
بعض النَّاس قد يظن أنَّ التعامل بلين ورفق مع الناس يجعل الناس تستغلك أو تركب على ظهرك(ويصتوطو حيطك) أو يستلزم منك أن تكون كما يشتهي الناس وكما يريدون، أو يقتضي منك أحياناً أن تترك المطالبة بحقك او السكوت عنه او التساهل فيه، ولكن الأمر ليس كذلك، فالرِّفق واللين ليس معناه ان تكون كما يريد الناس أو أن تتنازل عن حقوقك، بل اللين يعني أن ترفق بالناس وتصبر عليهم ولا تعنفهم أو تتعامل معهم بفظاظة وقسوة وأنت تطالب بحقوقك، لأنك بهذا الأسلوب لا تحصل على حقك، فإن أقصر الطرق للحصول عل حقوك من الآخرين أن تطالبهم برفق ولين وأن تبتعد عن التعنيف والشدة التي تعقد الأمور.
ومن لا يرفق بالناس لا يحصل على حقه ولا على الخير، كما في الحديث عن النبي(ص): من يحرم الرفق يحرم الخير.
وفي حديث آخر عنه (ص)قال: إنَّ الرِّفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه .
القيم الأخلاقية والقيم الإنسانية عندما تكون حاضرة في حياة الناس فإن الأمور تستقيم وتصبح لها قيمة .
من أهم القضايا التي تراعيها المقاومة في لبنان هي قضية الالتزام الأخلاقي والانساني فالأخلاق والقيم والمبادىء الأخلاقية لدى المقاومة حاضرة في عملها السياسي وفي عملها الإعلامي وفي عملها العسكري وفي حروبها وفي سلمها وفي كل ما تلتزم به.
من القضايا الهامة التي جرت في سياق معركة جرود عرسال هي أن المقاومة التزمت بالكامل بالإتفاق الذي جرى مع إرهابيي جبهة النصرة لناحية خروجهم الآمان مع عيالهم الى داخل سوريا فخرجوا تحت عيون وبنادق وسيطرة مجاهدي المقاومة من دون أن يتعرض أحد اليهم بسوء وهذا يكشف عن سمو أخلاقي وإنساني والتزام صادق بالعهود والاتفاقات التي تعقدها المقاومة حتى مع القتلة والمجرمين من أمثال جبهة النصرة.
بينما هذا الإلتزام الأخلاقي والإنساني لا نجده عند هؤلاء وأمثالهم من الارهابيين التكفيريين المتوحشين وقد رأينا كيف فجروا الباصات التي كانت تنقل أهالي بلدتي كفريا والفوعة في منطقة الراشدين غرب حلبقبل أشهر بمن فيها من نساء وأطفال وشيوخ وارتكبوا مجزرة بحقهم بالرغم من وجود اتفاق، وهذا يكشف عن انحطاط أخلاقي وانعدام للحس الإنساني وطغيان الحقد الطائفي والمذهبي على كل شيء.
هؤلاء ومن يدعمهم ويرعاهم هم الذين يشنون حربا طائفية، ويكفرون ويصدرون الفتاوى التكفيرية، ويحرضون على القتل والذبح وارتكاب المجازر بحق من يخالفهم.. ثم تأتي بعد ذلك السعودية لتتهم ايران وحزب الله بقيادة حرب طائفية في المنطقة.
السعودية ومن خلال وسائل إعلامها وأبواقها مصرة على جعل معركة المقاومة وحزب الله ضد جبهة النصرة وداعش والإرهاب التكفيري في لبنان حربا طائفية، والهدف هو شد العصب, والتحريض على إحداث فتنة بين اللبنانيين, وتشويه صورة حزب الله والمقاومة, والتشويش على الإنتصار والإنجاز الكبير الذي حققته المقاومة الى جانب الجيش ضد النصرة في جرودعرسال, ولكن هذا الانتصار هو أكبر وأعظم من أن تستطيع السعودية وأبواقها في لبنان تشويهه أو التشويش عليه.
من يحرض طائفيا هو الوهابية التي تصدر الكتب المشحونة بالحقد المذهبي، وتطلق فتاوى التكفير على ألسنة مفتيها وكبار مشايخها، وتنشر الكراهية في العالم الاسلامي، وتكفرالشيعة وتحرض على قتلهم، بل وتقتلهم كما في هو حاصل في بلدة العوامية في المنطقة الشرقية من السعودية .
فقد أظهرت بعض المشاهد المسربة حجم الدمار والخراب والقتل الذي ارتكبه النظام السعودي بحق أهالي هذه البلدة المحاصرة والمعزولة ، وقد شاهدنا وشاهد العالم كيف أن قوى الأمن السعودي يحتفلون ويرقصون فرحاً لأنهم استطاعوا أن يقتلوا النساء والأطفال والعزل في أحياء العوامية وأن ينتصروا على مساجدها وحسينياتها ودور العبادة فيها ويدمروها.
ما يجري في العوامية إنما يحصل أمام أنظار العالم ولا أحد يستطيع أن ينفي علمه بما يجري فما يجري هو إبادة وتدمير كامل لهذه البلدة، وعلى الامم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان ومنظمة التعاون الاسلامي أن يتحركوا ليوقفوا هذه المجزرة والا فهم متواطئون وشركاء في القتل والجريمة.
والحمد لله رب العالمين