حسن التدبير في ادارة الانفاق
خلاصة الخطبة
أشار نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: الى أن الأوضاع المعيشية تتفاقم وتزداد سوءاً عندما تكون الدولة غائبة عن هموم ومعاناة المواطنين
وعندما لا تقوم الدولة بواجباتها في توفير الخدمات الحيوية للمواطنين وانجاز المشاريع الانمائية واعطاء الحقوق للموظفين والعاملين وأصحاب الدخل المحدود.
وطالب الحكومة بمعالجة جدية وعاجلة للمشاكل التي باتت ترهق المواطنين لا سيما معالجة أزمات الكهرباء والمياه والسير والطرقات والاتصالات .
وشدد: على أن سلسلة الرتب والرواتب هي حق للموظفين داعياً: الى إقرارها في الجلسة المخصصة لها في الخامس عشر من الشهر الجاري، بغية اداء هذا الحق وانصاف الموظفين والعمال والمستخدمين الذين طال انتظار إنصافهم.
واعتبر: موضوع النازحين السوريين موضوعاً انسانياً بامتياز لا يمكن معالجته إلا بالتعاون والتنسيق مع الحكومة السورية، وأي مكابرة على هذا الصعيد ستكون على حساب النازحين وستزيد من معاناتهم، داعياً: الى معالجته سريعاً لأنه بات يرهق لبنان على الصعيد المالي والاجتماعي والاقتصادي والأمني، خصوصاً أن مخيمات النازحين باتت مرتعاً للارهابيين يختبئون فيها،ويجندون فيها نازحين للقتال الى جانب الارهابيين، ويعملون من خلالها على تأمين المؤن لداعش والنصرة في الجرود، والأخطر أنهم يستخدمونها معبراً لتأمين المواد المتفجرة اللازمة لتصنيع العبوات والمفخخات .
وأشاد: بالعملية الاستباقية التي قام بها الجيش اللبناني الاسبوع الماضي معتبراً: انها كانت لإنقاذ النازحين السوريين قبل اللبنانيين من إرهاب الجماعات المسلحة.
ورأى: أن الاجراءات والجهود الاستباقية التي يقوم بها الجيش اللبناني والاجهزة الامنية لملاحقة الارهابيين وضبط اوكارهم في مختلف المناطق اللبنانية يجب أن تستمر وتتواصل رغم الصراخ الذي نسمعه من بعض المزايدين والمتباكين على الإنسانية! لأنه لايمكن ضمان الاستقرار والأمن في البلد وتلافي الأعمال العدوانية والاجرامية التي يخطط لها الارهابيون الا بعمليات من هذا النوع، وبتطهير كل المناطق اللبنانية وخاصة جرود عرسال ورأس بعلبك من هذه الجماعات الارهابية.
نص الخطبة
قال الله تعالى: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّـهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّـهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾الطلاق 7.
لا شك أن الوضع الاقتصادي الشخصي للإنسان اذا كان جيدا وكانت لديه قدرة مالية، فإنّ ذلك سينعكس ايجابا على حياته وستكون حياته وحياة اسرته وعائلته أفضل، كما ان وضعه الاجتماعي سيكون افضل، وعلى العكس من ذلك، إذا كان الوضع المادي للانسان سيئاً وليست لديه قدرة مادية او كانت قدرته المالية ضعيفة وكان يعيش ضغطًا اقتصاديًّا، فإنّ ذلك سينعكس سلباً على وضعه النفسي وحياته العائلية، ومكانته الاجتماعية، وهذا أمر طبيعي وواضح.
وتحسين الوضع الاقتصادي يعتمد على أمرين:
1-توفير الدخل الكافي، أي الراتب الكافي، أو الإنتاج المالي الكافي.
2- وحسن التدبير، أي إدارة المعيشة بالشكل الذي يتناسب مع مستوى الدخل.
فالدخل المالي الجيّد وحده ليس كافيا لبناء حياة طيبة وسعيدة وهانئة، بل لا بد من توفر شيء آخر وهو الإدارة المناسبة للدخل وللراتب ، فاذا لم تكن هناك ادارة جيدة للراتب بأن كان الشخص مسرفاً ومبذراً، ويصرف أمواله بطريقة لا تتناسب مع مستوى راتبه، يصرف ماله فيما يحتاجه وفيما لا يحتاجه، ويحمل نفسه فوق طاقته، ويحاول أن يقلد من هو أغنى منه في طريقة معيشته وما شاكل، فان دخله في مثل هذه الحالات لن يكفيه، وسينكسر وسيصل الى منتصف الشهر وقد انفق كل ما عنده، وبالتالي سيعيش حياته بالدين، وقد يتراكم الدين الى حد لا يستطيع أن يسده ، ويبقى في عجز طيلة حياته مع ما يترتب على ذلكمن مشاكل نفسية واجتماعية ومعيشية كثيرة.
لذلك ينبغي أن يسعى الإنسان دائما ليرفع من مستوى دخله ، ليرفع من راتبه أو من انتاجه قدر الإمكان، فلا ينبغي أن يكتفي بدخل محدود، بل عليه أن يجتهد ويسعى لتحسين دخله ولتوفير أكبر قدر ممكن من المال ، وان يعمل في الحلال لتحصيل المال، ولذلك ورد في الحديث عن رسول الله (ص) أنّه قال: "إنّ الله تعالى يحب أن يرى عبده تعبًا في طلب الحلال"فلا يصح ان يكون دخل الانسان محدودا نتيجة كسله وعدم سعيه واجتهاده في طلب الرزق، او نتيجة أنه لا خاصية له على العمل لأنه يحب الدعة والراحة، فاذا كانت هناك فرص للعمل فان على الانسان ان يسعى ويعمل، لأنّ الراحة الحقيقية ليست في الجلوس في البيت بل في الكدح والحركة والعمل والسعي لتحصيل الرزق الحلال .
وينبغي للإنسان أن يواصل الكدح والعمل دون أن يقيد نفسه بعمر معيّن، او بعمل محدد، البعض عندما يصل الى سن معين يقول: من حقي أن أستريح وأن اتقاعد! في الوقت الذي يكون فيه قادرا على العمل والانتاج وليس عاجزا او مريضا او لديه ما يمنعه من مواصلة العمل والسعي لتحصيل الرزق، على الإنسان الذي يملك قدرة وبنية جسدية صحيحة وليس لديه ما يمنعه من الاستمرار في العمل من مرض او عاهة أن يُشغل وقته بالعمل حتى ولو تقدم في السن.
كما أن على الانسان أن لا يستنكف عن الأعمال البسيطة والوضيعة والقليلة الإنتاج، بل يعمل في كل شيء طالما أنه في دائرة الحلال، البعض يقع في البطالة ويفوت على نفسه مردوداً مالياً لأنه لا يريد العمل في هذا المجال أو ذاك لأنه لا يناسب مكانته ولا شأنيته أو لأن مردوده قليل وهو يطمع بالأعمال التي تدر بحاً كبيراً، فيستنكف عن العمل ويفضل البطالة على أعمال من ذلك النوع مع أن العمل في أي مجال حلال ليس عيباً بل عبادة، والعمل الذي مردوده قليل قد يتراكم ويراكم الانسان من خلاله نتاجا كثيرا والله يبارك به وبالقناعة.
على الإنسان أن ينخرط ضمن مجالات العمل المختلفة، في سبيل تحسين وضعه الاقتصادي، ومضاعفة دخله المالي.
الشباب، الذين لم تمنعهم متابعتهم لدراستهم عن العمل والجد والسعي في سبيل تحصيل الرزق يجب توجيه التحية لهم والإشادة بهم وتشجيعهم على العمل والمزيد من الإنتاج والإعتماد على النفس.
وكذلك الشباب الذين لديهم عمل ووظيفة ذات دخل محدود ويقومون بعمل إضافي ويتعبون أنفسهم من أجل التوسعة على أنفسهم وعلى عيالهم ، هؤلاء أيضاً يجب توجيه التحية لهم والإشادة بهم وبجهودهم.
أئمة أهل البيت (ع) كانوا نموذجاً في ذلك وأمثلة حيّة للكدّ والسعي في سبيل تحصيل الرزق الحلال.
فقد ورد عن الإمام الباقر(ع) أنّه قال: "كان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) "يخرج في الهاجرة، في الحاجة قد كُفيها، يريد أن يراه الله يتعب نفسه في طلب الحلال" ، أي إنّه كان (ع) يخرج للعمل وقت الظهيرة والشمس الحارقة، ولم يكن مضطرًا إلى ذلك، لأنه يملك مالا كافيا ولكنه يفعل ذلك ويكد ويسعى لأنه يريد أن يراه الله وهوعلى هذه الحالة.
ولذلك حتى اذا صار الانسان ميسورا وغنيا ولديه ما يكفيه لحياته، فإن عليه أن يستمر في العمل، وأن لا يستنكف عن زيادة الخير وزيادة المال الذي بحوزته طالما هو قادر على العمل. وقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه رأى أحد أصحابه جالسًا عنده في المجلس، فسأله عن سبب عدم نزوله إلى السوق واشتغاله بالتجارة كما هو معروف عنه؟ فأجاب الرجل قائلًا: "... عندي مال كثير. وهو في يدي، وليس لأحدٍ عليَّ شيء، ولا أراني آكله حتى أموت، فقال (ع): لا تتركها فإنّ تركها مذهبة للعقل" لأنّ الخمول والإمتناع عن العمل وقلة الحركة وقلة النشاط تسبب خمول العقل وضياع الخبرات التي يكتسبها الانسان من خلال مزاولته للأعمال والتجارات المختلفة.
أما التدبير وحسن ادارة المعيشة فهو أمر لازم ومكمل لحسن الدخل، فإنّ هناك من الناس من لا يوازن بين دخله المالي ومصارفاته ، الكثير من العائلات لا تضع ميزانية تراعي التوازن والتناسب بين المدخول والمصروف، الكثير من الأشخاص لا ينتبهون الى حجم الصرف والإنفاق الذي يمارسونه سواء على المأكل والمشرب، أو على الملابس أو على أثاث المنزل او على الهواتف او على الترفيه والسفر، حيث نرى البعض بدل ان يشتري لباسا بعشرة يشتريه بمائة، وبدل أن يفرش بيته بمائة يفرشه بألف ويراكم الديون على نفسه، وبدل ان ياخذ حاجته يأخذ فوق حاجته ويستهلك الأشياء بشكل مفرط ، وهذا هو السبب في سوء الأوضاع المادية والمعيشية لدى كثير من العائلات، فبعض الناس يستغرقون في شراء الكماليات حتى لا يبقى معهم ما يصرفونه على حاجاتهم الأساسية والبعض وخاصة النساء تحوّل التسوق لديهن إلى هواية! ويتنافسن من منهن أتى لها زوجها مثلاً بهدية أثمن من الأخرى، ومن منهن أشترت كماليات أكثر من الأخرى وهكذا.
إنّنا مدعوون إلى إعادة النظر في كثير من عادات الاستهلاك في مجتمعنا. خاصة وأنّ معظم الناس يعاني من اوضاع معيشية واقتصادية صعبة، نتيجة الوضع الاقتصادي الصعب في البلد وفي المنطقة، هذه الأوضاع الإقتصادية الصعبة الناجمة عن الحروب والارهاب وهدر الثروات أو استنزافها لصالح صفقات السلاح وغير ذلك.
هذا الوضع الاقتصادي الصعب في البلد يستوجب ترشيد الإنفاق تبعًا للظروف القائمة، وليس من المعيب أن تجري العائلات إعادة النظر في مستوى الإنفاق، وإنّما الخطأ هو إغفال هذا الأمر.
وهناك منهج قرآني واضح لإدارة الإنفاق وتدبير المعيشة. حيث يقول تعالى: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّـهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّـهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ يعني الإنفاق يدور مدار القدرة المالية، فاذا كان لدى الإنسان وفرة من المال فلينفق مما وسعه الله عليه لكن بتوازن، أمّا إذا لم تكن لديه قدرة مالية، فينبغي أن يأخذ ذلك بعين الاعتبار ويراعي ظروفه ولا يحمل نفسه قوق طاقته، وقد ورد عن أمير المؤمنين (ع) أنّه قال: "صلاح العيش التدبير"، وجاء عنه (ع) أنّه قال: "القليل مع التدبير أبقى مع الكثير مع التبذير" .
مع الأسف هناك عادات وأعراف اجتماعية مرهقة وتشكل ضغطاً كبيرا على ذوي الدخل المحدود، مثل حفلات الزواج وموائد الطعام التي تقام في مناسبات الوفيات وغيرها حيث لم يعد يُكتفى باحتفال واحد يقام ليلة العرس، بل صار لعقد القرآن احتفاله الخاصّ أيضًا، والإحتفال لا بد أن يقام في قاعة واسعة ولا بد فيه من عشاء فاخر وفرقة للزفة وسيارة فاخرة وما شاكل.
هذه العادات المكلفة ماليًّا ربما لا تشكل عائقًا أمام المقتدرين، إلّا أنّها تمثل ورطة وعبئًا يُرهق غير المقتدرين.
وحتى لو كان الإنسان غنيا وميسورا وقادرًا على الإنفاق ببذخ في المناسبات الاجتماعية الخاصة، فإنّ عليه أن لا يكرس بعمله وتصرفاته عرفًا وتقليدًا اجتماعيًّا يتسبب في إحراج الآخرين، الذين سيطرون الى فعل الشيء نفسه، استجابة للضغط الاجتماعي مع انهم غير قادرين على ذلك.
نحن مطالبون بإعادة النظر في بعض عاداتنا المكلّفة، والابتعاد عن الانجرار وراء التقاليد والأعراف السائدة والمكلفة ، فليس صحيحًا أن يستدين الانسان حتى يرضي الناس، ويتفادى انتقاداتهم ، فليتكلّم الناس ما شاؤوا، المهم ان يكون الانسان منسجما مع نفسه ومع ظروفه وأوضاعه وأن لا يكون همه تقليد الآخرين ومجاراتهم .
اليوم الظروف المعيشية صعبة وتتفاقم أكثر وتزداد سوءاً عندما تكون الدولة غائبة عن هموم المواطنين أو عندما لا تقوم الدولة بواجباتها في توفير الخدمات الحيوية للمواطنين وانجاز المشاريع الانمائية واعطاء الحقوق للموظفين والعاملين وأصحاب الدخل المحدود.
والحكومة مطالبة بمعالجة جدية وعاجلة للمشاكل التي باتت ترهق المواطنين لا سيما معالجة أزمات الكهرباء والمياه والسير والطرقات والاتصالات .
أما سلسلة الرتب والرواتب فهي حق للموظفين، ونحن دعونا ولا زلنا ندعو الى إقرارها.. الى إقرارها في الجلسة البرلمانية المخصصة لها في الخامس عشر من الشهر الجاري، بغية اداء هذا الحق وانصاف الموظفين والعمالو المستخدمين الذين طال انتظار انصافهم.
أما موضوع النازحين السوريين فهو موضوع انساني بامتياز، ويجب معالجته بالتعاون مع الحكومة السورية، وأي مكابرة على هذا الصعيد ستكون على حساب هؤلاء النازحين وستزيد من معاناتهم، لانه لا يمكن حل هذا الملف الا بالتنسيق مع الحكومة السورية.
الحكومة معنية بمعالجة سريعة لهذا الملف لأنه بات يرهق لبنان على الصعيد المالي والاجتماعي والاقتصادي والأمني، خصوصا أن مخيمات النازحين باتت مرتعا للارهابيين يختبئون فيها، ويجندون فيها نازحين للقتال الى جانب الارهابيين، ويعملون من خلالها على تأمين المؤن لداعش والنصرة في الجرود، والأخطر أنهم يستخدمونها معبراً لتأمين المواد المتفجرة اللازمة لتصنيع العبوات والمفخخات .
والعملية الاستباقية التي قام بها الجيش اللبناني الاسبوع الماضي كانت لإنقاذ النازحين قبل اللبنانيين من ارهاب الجماعات المسلحة.
هذه الاجراءات والجهود الاستباقية التي يقوم بها الجيش اللبناني والاجهزة الامنية لملاحقة الارهابيين وضبط اوكارهم في مختلف المناطق اللبنانية، يجب أن تستمر وتتواصل رغم الصراخ الذي نسمعنه من بعض المزايدين والمتباكين على الإنسانية! لأنه لايمكن ضمان الاستقرار والأمن في البلد وتلافي الأعمال العدوانية والاجرامية التي يخطط لها الارهابيون، الا بعمليات من هذا النوع وبتطهير كل المناطق اللبنانية وخاصة جرود عرسال ورأس بعلبك من هذه الجماعات الارهابية.
والحمد لله رب العالمين