رضا الفتاة شرط في الزواج (4)
لا بد في الزواج من رضا الطرفين الشابّ والشابّة ورغبتهما ببعضهما ، بأن يهوى الرجل الزواج من هذه الفتاة وأن ترغب الفتاة بالزواج من هذا الرجل.
ولا شك في ان الرجل يملك قرار الزواج ممن شاء لوحده وليس لأبويه أو للأب والجد أو لأحد من أقاربه ولاية عليه من هذه الناحية.
عن ابن أبي يعفور، عن الصادق (ع)، قال : قلت : إنّي أردت أن أتزوّج امرأة وإنّ أبوي أرادا غيرها، قال : تزوّج الذي هويت ودع التي هوى أبواک .
وهذا يعني أنّ الولد هو الذي يريد أن يعيش مع زوجته ، فإرادته مقدّمة على ارادة والديه ، إلّا أنّه لا مطلقآ، بل ربما ينخدع الولد بجمال البنت ولا يرى حقيقتها، فربما جمالها الظاهري يجعله يقع في هواها وهو غافل بأنّها من بيئة سيئةوأجوائها غير مناسبة له.
فالوالدان هنا يخالفان مثل هذا الزواج لمصلحة الولد، لأنّهما أكثر تجربةً وخبرة في الحياة، فالولد عليه أن ينتفع من خبرتهما وتجربتهما ويأخذ بقولهما إذا كان مصحوبآ بالاستدلال والمنطق السليم ، فلا يتبع هواه ، لإنّه يفقد أكبر رصيد عائلي واجتماعي في حياته ، وأكبر عمودين في مستقبله ، وهما الوالدان . وهذا ليس من الحكمة والعقل .
هذا بالنسبة للرجل، أما بالنسبة للمرأة، فالسؤال هل أن المرأة تملك القرار لوحدها في الزواج أم لولي أمرها القرار؟
الجواب : لا بد من التفريق بين الثيب والفتاة البكر .
فالثيّب لها أن تزوّج نفسها ولا دخل لوليّ أمرها في شأن زواجها، فهي تملك قرار نفسها، وهذا بإجماع الفقهاء تقريبا.
وأمّا البكر فإنّه يشترط في صحة عقد زواجها من الرجل إذن وليّها، الأب أو الجد للأب، عند الكثير من الفقهاء، وأغلبهم يقول بذلك من باب الإحتياط الوجوبي، ولكن لا بدّ من رضاها أيضآ، فهو الأساس في أصل زواجها، فلها الحقّ في قرار الزواج ولها رفضه ، ولا يصحّ إكراهها عليه ، فلو اُكرهت الفتاة على ذلک من قبل الأب او الجد او احد الأقارب كان العقد باطلا، والزواج ليس صحيحا ولا بد من عقد جديد .
فما يجري احيانا من قبل الاهل في فرض الزوج على البنت ليس صحيحاً، فهم لا يملكون الحق في فرض الزوج الذي يرغبون به من دون موافقة البنت.
جاءت فتاة بكر إلى رسول الله تشكوا أباها فقالت : يا رسول الله إنّ أبي زوّجني من ابن أخٍ له ليرفع خسيسته وأنا له كارهة ، فقال : أجيزي ما صنع أبوکِ ، فقالت : لا رغبة لي فيما صنع أبي ، فقال : إذن فاذهبي وتزوّجي من شئتِ .
واشتراط الفقهاء إذن الولي في عقد الزواج من البكر لا يعني أبدا إكراهها على الزواج ممن لا ترغب به بل يعني أنها اذا رغبت بالزواج من شخص يتوقف صحة العقد على اجازته ، لكن حتى في هذه الحالة لو أنّ الوليّ منع الفتاة من الزواج بالكفؤ شرعاً وعرفاً تسقط ولايته، لأنّه لا يحقّ للوليّ أن يمنعها من الزواج بالكفؤ شرعاً وعرفاً إلّا إذا كان يوافق على خاطب آخر كفؤ شرعاً وعرفاً، وذلك لأنّ ولاية الوليّ في الأصل هي لمصلحة الفتاة، فإذا تصرف على خلاف مصلحتها سقطت ولايته.
أما لماذا كان إذن الأب شرطاً في تزويج البنت دون الشابّ؟
فالجواب:
أوّلاً: إنّ الملاحظات المأخوذة من الواقع تثبت أنّ إمكانيّات خداع الفتاة وبأساليب كثيرة موجودة، ولذا كانت الولاية للأبّ والجدّ للأبّ لإعانتها على التزويج، ومساعدتها كي لا تخدع "مع الإمكان".
ثانيا: إنّ بعض الفتيات يغلبن عليهن الحياء والخجل، وهذا ما قد يمنع الفتاة من اختيار الزوج المناسب فكان الوليّ حلّاً لهذه المشكلة أيضاً.
ثالثاً: إنّ الشاب هو الذي يقدم على اختيار الفتاة وبيده أمر طلاقها إذا ظهرت غير صالحة، بينما الفتاة لا يكون الطلاق بيدها، لذلك تحتاج إلى رعاية ونصيحة أبويّتين، حتّى لا تقع فريسة زوج لا يخاف الله تعالى.